للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ويتساءل هشام جعيط: (القاهرة مدينة يحلو فيها العيش أكثر من نيويورك أو لوس أنجلس. لكن الإشكال الكبير هو التالي: إذا ما نمت بلداننا وصارت في مستوى أوروبا مثلًا، ألا يقع تغيير في تضامن العائلة وتستفحل الفردية كما في أوروبا وأكثر من ذلك في أمريكا؟ ألم تكن الحضارة الغربية قبل حينٍ هي أيضًا متضامنة محترمة للشيوخ والآباء ثم تطورت إلى القسوة والفردانية؟ هذا ما أراه محتملًا فيما يخصنا؛ أي: أن تأخرنا يحمينا في بعض الجوانب، لكن لن يقينا تقدمنا مما جرى في الغرب) (١).

وهذا الإشكال الذي يسميه كبيرًا مشكل جدًا؛ لأنه يتعامل مع الإنسان تعاملًا ميكانيكيًا موغلًا في المادية ويستبعد الفروقات الدينية الإيمانية من التأثير. وربما حصل شيء من هذه النتائج المتشابهة أو كثير منها ولكن علينا أن نتذكر جيدًا أن هذه التأثيرات لا تجري في مجتمعات تحكمها الشريعة بل في مجتمعات أقصيت الشريعة فيها عن الحكم، ومن الطبيعي أن ينتقل الفساد إذا وجدت أسبابه، ولكن هذا لا يعني أن هذه حتمية وصيرورة جبرية لا بد منها، فإن هذه آثار للعلمانية لكنها ليست آثارًا للإسلام.

لقد عبر محمد أسد (ت ١٩٩٢ م) عن مخاوفه من أن يزول الاستقرار والتماسك الروحي الذي شاهده في بلاد العرب عندما تجتاحها المؤثرات الأوروبية (٢)، وقد تحقق بالفعل جزء من تلك المخاوف، ولكن كل هذا يجري في بيئات غرس الاحتلال


(١) أزمة الثقافة الإسلامية (٣٦).
(٢) انظر: الطريق إلى الإسلام (١١٥).

<<  <   >  >>