للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يلقي نفسه في العظائم ولا يبالي، وقالوا له: ألا ترى إلى ما نحن فيه من الذلة والصغار وتحكم اليهود في المسلمين والعبث بهم حتى بلغ حالهم إلى ما سمعت؟ فنجع كلامهم فيه، وللحين أغراهم بالفتك باليهود وخلع طاعة السلطان عبد الحق وبيعة الشريف أبي عبد الله الحفيد فأجابوه إلى ذلك واستدعوا الشريف المذكور فبايعوه والتفت عليه خاصتهم وعامتهم، فقلب الورياكلي بذلك سلطان المرينيين رأسًا على عقب (١). وليس الشأن في هذه الحكاية وأمثالها في فعل الفقيه، بل في مسارعة العامة إليه لما نابهم ما نابهم، والناس لا يفزعون في مثل ذلك إلا لمن يرونهم من أهل الأمانة والقوة، وفي هذا دلالة ظاهرة على قدرة الفقهاء على الإصلاح العام إذا ما وقفوا أنفسهم له وكان الناس في ذلك لهم سندًا وردءًا.

كما تحفظ شواهد التاريخ للفقهاء مواقفهم المشهودة في درء فتن الانقسام والاحتراب داخل المجتمعات الإسلامية، وإسهامهم في إصلاح ذات البين بين الملوك والقبائل والعشائر والأسر، وفي وقف القلاقل والحروب بين الطوائف المتنازعة، ومن الأمثلة المشهورة في ذلك مساعي الفقيه المالكي أبي الوليد الباجي (ت ٤٧٤ هـ) في الإصلاح بين ملوك الطوائف في الأندلس


(١) انظر: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، الناصري (٤/ ٩٨)، وقد كان الشيخ زروق (ت ٨٩٩ هـ) ينتقد فعل الورياكلي هذا ويترك الصلاة خلفه لأجله، وليس المقام مقام تحقيق موقف بقدر ما هو إشارة إلى أثر الفقهاء وتجاوب العامة معهم، انظر: جذوة الاقتباس، ابن القاضي (٤٥٢).

<<  <   >  >>