النظرية فحسب كشأن الفلاسفة، بل هم مخالطون للناس ومتصلون بكافة الشرائح الاجتماعية، مما يجعل لكلمتهم عميم النفع وكبير الأثر (١).
وأما دور الفقهاء في الإصلاح السياسي فقد تقدم بيانه وأمثلته أكثر من أن تحصى، سواء كان دورًا بالمعنى الإيجابي أو بالمعنى السلبي، وقد تقدم ذكر مثل هذا، وكان دورهم في إصلاح السياسة يتراوح- كما سيأتي بيانه-بين المشاركة فيها أو المعارضة لها أو ممارسة الضغوط الإصلاحية دون مشاركة، وكان لهذه المواقف أثر كبير على الأمراء والسلاطين، وفي التاريخ شواهد جمة تدل على ذلك، والكثير من هذه المواقف لا تدل على مشاركة الفقيه فحسب، بل تدل على اشتهار طائفة الفقهاء بهذا بحيث إنهم غدوا ملجأً للناس عندما تضيق بهم الحال، ومن أمثلة ذلك أن السلطان عبد الحق المريني (ت ٨٦٩ هـ) ولَّى حاكمين يهوديين على فاس على وجه العقوبة، فشرع اليهوديان في أخذ أهل فاس بالضرب والمصادرة على الأموال واعتز اليهود بالمدينة، فاجتمع الناس عند خطيب القرويين الفقيه أبي فارس عبد العزيز بن موسى الورياكلي (ت ٨٨٠ هـ)، وكانت له صلابة في الحق وجلادة عليه بحيث
(١) انظر أمثلة لذلك في: دور فقهاء الأندلس في الحياة السياسية والاجتماعية بالأندلس في عصري الإمارة والخلافة، د. خليل الكبيسي (٢٠٧)، فقهاء المالكية وآثارهم في مجتمع السودان الغربي، سحر مرجان (٢١٢)، وانظر: دور القادة الدينيين في تغيير السلوكيات الخطرة، مجلة الإحياء المغربية (٢٥: ١٥).