فأما الجواب الأول: فأنه قد مر بنا أن اسم الفقيه لا يمكن أن يتحقق معناه كمال التحقق إلا في فهم الدين بوجه عام ومن ذلك علم الحلال والحرام وأصول الدين وغيرهما، والفقيه الذي هو المجتهد لا يتوصل إلى منهجية اجتهادية عامة ما لم يكن له تضلع في ذلك كله، وهذا أمر قد سبق بيانه. وأما الجواب الثاني: فهو أن مسائل الاعتقاد مفتقرة بدورها إلى فقه في تحقيقها على الوقائع فيما يتعلق بأفعال المكلفين والحكم عليها، فإن قواعد العقائد وإن علمت بالاستدلال لها واستقراء كلام السلف فيها إلا أن تحقيق هذه القواعد وتنزيلها من قبيل مسائل الفقه التي تحتاج إلى فهم عميق للقاعدة وفهم للواقعة ومعرفة بسبيل التنزيل، وليست كالمعادلات الحسابية التي تؤدي إلى نتائجها بالضرورة، بل هي قضايا فقهية تحتاج إلى فقه في تنزيلها ولا يكون ذلك متاحًا لكل أحد، والغفلة عن هذا المعنى من أسباب الفوضى التي تحصل في أمثال هذه المسائل لا سيما مسائل الإيمان والكفر والأسماء والبدعة والتعامل مع المخالف وما يترتب عليها من الأحكام.