للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المنتسبين إلى الفقه والفتوى والقضاء استطال عليهم أولئك المتكلمون حتى أخرجوا الفقه الذي نجد فيه كل العلوم من أصل العلم لما رأوه من تقليد أصحابه وظنهم) (١)، وهذا الكلام من هذا الإمام كلام جِدَّ متين، وفيه تحليل عميق لبعض أهم أسباب تطرق الفساد إلى علم الفقه، ولأجل ذلك فإن الإفاضة في شرح هذه القضية وبيانها ليست من التطويل الذي يغني قليله عن كثيره، بل إنها أصل من أصول إصلاح علم الفقه، وتدبرها وتقليب وجوه النظر فيها يفضي إلى خير عظيم ونفع عميم، فإن من أكبر أسباب فساد العلوم دخول من ليس من أهلها فيها.

يقول أبو محمد ابن حزم (ت ٤٥٦ هـ): (لا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء فيها وهم من غير أهلها، فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون، ويفسدون ويقدرون أنهم يصلحون) (٢).

وللمتقدمين عناية بتقرير هذا المعنى، وكلماتهم مشهورة في التأكيد على أن الفقه إنما يؤخذ عن الفقهاء، الذين هم أهل الفهم والنظر في معاني النصوص والقدرة على الاستنباط منها والقياس عليها وإلحاق أشباهها بها.


(١) الاستقامة (١/ ٥٥).
(٢) من رسالة مداواة النفوس ضمن رسائل ابن حزم (١/ ٣٤٥)، وانظر أيضًا كلامه في رسالة (مراتب العلوم) ضمن الرسائل (٤/ ٨٦).

<<  <   >  >>