للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وهؤلاء عرض لهم شبيه ما يعرض لمن ظن أن الخَفَّاف هو الذي عنده خِفافٌ كثيرة لا الذي يقدر على عملها، وهو بيِّنٌ أن الذي عنده خفاف كثيرة سيأتيه إنسان بقدم لا يجد في خفافه ما يصلح لقدمه، فيلجأ إلى صانع الخفاف ضرورة، وهو الذي يصنع لكل قدم خفًا يوافقه، فهذا هو مثال أكثر المتفقهة في هذا الوقت) (١).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت ٧٢٨ هـ): (لكن هؤلاء ليسوا في الحقيقة فقهاء في الدين، بل هم نقلة لكلام بعض العلماء ومذهبه. والفقه لا يكون إلا بفهم الأدلة الشرعية بأدلتها السمعية الثبوتية من الكتاب والسُّنَّة والإجماع نصًا واستنباطًا) (٢)، ويقول في بيان بعض الضرر الذي نجم من الخلط بين الفقهاء وحملة الفقه: (إذ الرجل قد يكون يرى مذهب بعض الأئمة، وصار ينقل أقواله في تلك المسائل، وربما قرَّبها بدليل ضعيف من قياس أو ظاهر، هذا إن كان فاضلًا وإلا كفاه مجرد نقل المذهب عن قائله إن كان حسن التصور فهمًا صادقًا، وإلا لم يكن عنده إلا حفظ حروفه إن كان حافظًا، وإلا كان كاذبًا أو مدعيًا أو مخطئًا. ولا ريب أن الحاصل عند هؤلاء ليس بعلم كما أن العامة المقلدين للعلماء فيما يفتونهم فإن الحاصل عندهم ليس علمًا بذلك عن دليل يفيدهم القطع، وإن كان العالم عنده دليل يفيد القطع. وهذا الأصل الذي ذكرته أصل عظيم فلا يصد المؤمن العليم عنه صاد فإنه لكثرة التقليد والجهل والظنون في


(١) بداية المجتهد (٣/ ١٧١٥).
(٢) الاستقامة (١/ ٦١).

<<  <   >  >>