للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والفقيه الذي يقوم به هذا المعنى وإن قلت محفوظاته أولى باسم الفقه ممن يتكثر من المسائل دون تفقه فيها ولا علم بمداخلها ومخارجها، فإن الفقيه كل الفقيه إنما هو فقيه النفس الذي يملك القدرة على استخراج أحكام الفقه من أدلتها، ثم لا يزال به التفقه حتى يغدو له كالسجية التي لا يتكلف لها (١).

ومن كان بهذه المثابة كان على استخراج المعاني من النصوص أقدر من غيره، فإن النصوص فيها من المعاني ما الناس متفاوتون في استخراجه، وقد يهتدي المتأخر إلى ما لم يتنبه له المتقدم.

قال الزركشي (ت ٧٩٤ هـ): (على فقيه النفس ذي الملكة الصحيحة تتبع ألفاظ الوحيين الكتاب والسُّنِّة واستخراج المعاني منهما. ومن جعل ذلك دأبه وجدها مملوءة، وورد البحر الذي لا ينزف، وكلما ظفر بآية طلب ما هو أعلى منها، واستمد من الوهاب) (٢).

وفقه النفس هذا ليس معرفةً تُنقل، بل هي ملكة ودربة، وأصلها موهبة وفضل من الله يختص به من يشاء من عباده. قال أبو المعالي الجويني (ت ٤٧٨ هـ): (ولكن ينبغي أن يكون الناقل موثوقًا به فقيهَ النفس؛ لأن الفقه لا يمكن نقله) (٣)، وقال أبوّ


(١) انظر: التحبير شرح التحرير، المرداوي (٨/ ٣٨٧٠)، تراجم ستة من فقهاء العالم الإسلامي، عبد الفتاح أبو غدة (٨٤).
(٢) البحر المحيط (٦/ ٢٣٣).
(٣) البرهان (٢/ ٨٨٥).

<<  <   >  >>