للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

توجه إلى هذا الباب أحد، مع أنه يوجد في الأحاديث كثيرًا، فيكون أمرًا صحيحًا في الخارج، ثم لا يتأتى على قواعد الفقه، وذلك لأن الناس كثيرًا ما يتعاملون فيما بينهم ويسامحون فيه ولا يتنازعون بشيء. وقد يجوز ذلك في نظر الشارع أيضًا، إلا أن الفقهاء لا يتعرضون إليه لكونه من الديانات عندهم، وجُلُّ أحكامهم من باب القضاء. ومن لا خبرة له بذلك يظنها خلاف الفقه، ولا يدري أن ما ذكر في الفقه هو حكم القضاء وذلك في الديانة، وقد أوضحنا الفرق بينهما... وبالجملة باب المسامحات والمروءات مفقود من الفقه، مع كونه أهم) (١)، وقال في سياق آخر: (وهذا الاعتراض ساقط؛ لأن هذا من باب المسامحات والإغماض دون المماكسة والتنازع، وليس في الفقه إلا باب التنازع. والسر فيه أن باب المسامحات لا يأتي فيه التكليف ولا يجبر عليه أحد، إنما هو معاملة الرجل مع الرجل على رضاء نفسه، فلم يذكروا في الفقه إلا أحكام القضاء، وهي التي مما يجبر عليها الناس، وقليلًا ما ذكروا أبواب الديانات. والناس إذا لم يروا مسألة في الفقه يزعمونها منفية عندهم، مع أن الفقهاء إنما تكلموا فيما في دائرة التكليف. والتي ليست كذلك لم يتعرضوا لها، وإن كانت جائزة فيما بينهم) (٢).


(١) فيض الباري على صحيح البخاري (٣/ ٤٨٣).
(٢) فيض الباري (٣/ ٥٧٥).

<<  <   >  >>