للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الحياة وصنيع الفقهاء في مدوناتهم، ما يقوم بأذهان بعض الناس من تصور أن الفقهاء غير معنيين بالجانب الأخلاقي بقدر اهتمامهم بالجانب الحقوقي. وسبب هذا اللبس أن الفقهاء يعنون في كتبهم بجانب القضاء، أو ما يسمى باللسان المعاصر (القواعد القانونية)، وهي الحد الأدنى الذي يلزم توافره لتحقيق الضبط الاجتماعي، وما كان كذلك فلا بد من اتخاذ الوسائل اللازمة لتطبيقه بإنشاء المؤسسات القضائية ولواحقها ولوازمها، أما الجوانب التي تتعلق بالآداب والمكارم فهي من قبيل (القواعد الأخلاقية) التي تبين الحد الأعلى لما ينبغي أن يكون عليه السلوك العام والمجتمع الفاضل، مما يربي الفقهاء عليه الناس بالوعظ والتعليم والندب والاستحباب، ومثل هذه القواعد لا تكون قواعد إلزامية إلا إذا جرت ضرورة لذلك، وسبيل تقرير ذلك الاجتهاد، والفقهاء وإن كانت عنايتهم في مدونات الفقهاء ذاهبة إلى الجانب القضائي الحقوقي، غير أن جانب الأخلاق والمكارم والآداب والمندوبات غير مهمل بدوره، ولكن مظان هذه غير مظان تلك، وهذا على سبيل العموم (١).

قال الشيخ محمد أنور الكشميري (ت ١٣٥٢ هـ) في شرحه لحديث أنس رضي الله عنه: ((حجم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو طيبة، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاع من تمر، وأمر أهله أن يخففوا عنه ن خراجه)) (٢): (واعلم أن هذا باب لا يدخل فيه القضاء، وقلَّ من


(١) انظر: الفقه الإسلامي بين النظرية والتطبيق، د. محمد سراج (٢٧)، نقاط التجاذب والخلاف في الفقه الإسلامي، كولسون، مجلة المسلم المعاصر (٣: ١٦٣).
(٢) متفق عليه من حديث أنس، أخرجه البخاري في كتاب البيوع باب من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم في البيوع والإجارة والمكيال والوزن وسننهم على نياتهم ومذاهبهم المشهورة (٢٢١٠) واللفظ له، وأخرجه مسلم في كتاب المساقاة باب حل أجرة الحجامة (٤١٢١).

<<  <   >  >>