للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والفقهاء الذين هم بهذه المثابة قلة بالقياس إلى من ينتسبون أو ينسبون إلى هذا الاسم، فإن لهذا الاسم شرطًا صعبًا يجعله بالمحل الأرفع الذي لا تمتهنه صنائع الذين ليس لهم منه إلا اسمه. وهذا معنى يؤكده أهل العلم على الدوام؛ لأنهم يرون آثار إهماله في فساد الأحوال والتصورات.

بل إن من أهل العلم من يرى أنه لا يكون المرء فقيهًا (حتى يكتهل ويكمل سنه ويقوي نظره، ويبرع في حفظ الرأي ورواية الحديث ويبصره ويميز طبقات رجاله، ويحكم عقد الوثائق ويعرف عللها، ويطالع الاختلاف ويعرف مذاهب العلماء والتفسير ومعاني القرآن. فحينئذٍ يستحق أن يسمى فقيهًا، وإلا فاسم الطالب أليق به) (١)، وهذه الحال المذكورة من أحوال الرسوخ في العلم، فإن طول ممارسة الفقه ووظائفه تجعل منه حالة راسخة ينشأ منها ما يدعوه العلماء فقه النفس، وهي حالة استقرار علمي ونفسي تحمل صاحبها على الأناة والاستيثاق والاستقصاء وتقدير العواقب؛ (لأن الشيخ قد زالت عنه ميعة الشباب وحدته وعجلته وسفهه واستصحب التجربة والخبرة، فلا يدخل عليه في علمه الشبهة، ولا يغلب عليه الهوى، ولا يميل به الطمع، ولا يستزله الشيطان استزلال الحدث. ومع السن الوقار والجلالة والهيبة، والحدث قد يدخل عليه هذه الأمور التي أمنت على الشيخ، فإذا دخلت عليه وأفتى هلك وأهلك) (٢).


(١) ترتيب المدارك، القاضي عياض (٦/ ١٥١).
(٢) الفقيه والمتفقه، الخطيب البغدادي، باب في فضل العلم والعلماء (٥٦٠).

<<  <   >  >>