للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد وقفت مبتدعة العصر الحديث على هذا الحديث فاعتقدوا أن الإسلام كلمة، والنجاة من النار بكلمة أو من الخلود فيها بكلمة لا شيء بعدها. ومن أثبت شيئاً معها لصحة الإسلام فهو من الخوارج بزعمهم.

قال الحميدي: سمعت وكيعاً يقول أهل السُّنَّة يقولون الإيمان قول وعمل والمرجئة يقولون الإيمان قول والجهمية يقولون الإيمان المعرفة: وفي رواية أخرى عنه، وهذا كفر" (١) .

وقد احتج عليهم الإمام أحمد بما أفحمهم في هذا المجال، قال أحمد: "ويلزمه أن يقول هو مؤمن بإقراره، وإن أقر بالزكاة في الجملة ولم يجد في كل مائتي درهم خمسة أنه مؤمن، فيلزمه أن يقول: إذا أقر ثم شد الزنار في وسطه وصلى للصليب وأتى الكنائس والبيع وعمل الكبائر كلها إلا أنه في ذلك مقر بالله فيلزمه أن يكون عنده مؤمناً، وهذه الأشياء من أشنع ما يلزمهم" (٢) اهـ.

أتنجى الكلمة من النار ولو بقى مع تلفظه بها يعبد الأصنام ويستقسم بالأزلام وينذر للات والعزى ويتبرك بها لتقربه إلى الله زلفى، ذلك راجع إلى أهل الخلاف على أن الألفاظ هل تراد لذواتها أم لمعانيها؟ فإن من قال إن الألفاظ تراد لذواتها كان من لازم قوله أن من تلفظ بكلمة التوحيد - لا إله إلا الله - لم يكن قد خرج عن مقتضى اللفظ مع بقائه على ما كان عليه من الشرك من التحاكم إلى الكهان وعبادة الأصنام ومظاهرة المشركين.

وهذا تكذيب لصريح القرآن، فعلم أن الألفاظ إنما تراد لمعانيها وإن الكلمة إنما هي التوحيد المتضمن لتوحيد الأسماء والصفات وتوحيد القصد والإرادة والعمل، أي توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، ولم يكن بد من ترك الشرك كله في الربوبية وفي الألوهية، وإفراد الله وحده بالعبادة من نسك وولاية وحكم.


(١) كتاب الإيمان لابن تيمية ص ٢٦٤.
(٢) كتاب "الإيمان" لابن تيمية ص ٣٤٩.

<<  <   >  >>