ثم يفسر بعدها ما أردناه فيقول:"والمقصود هنا أن من قال من السلف الإيمان قول وعمل، أراد قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح، ومن أراد الاعتقاد رأى أن لفظ القول لا يفهم منه إلا القول الظاهر، أو خاف ذلك فزاد الإعتقاد بالقلب، ومن قال قول وعمل ونية، قال: "القول يتناول الاعتقاد وقول اللسان، وأما العمل فقد لا يفهم منه النية فزاد ذلك، ومن زاد اتباع السُّنَّة فلأن ذلك لا يكون محبوباً لله إلا باتباع السُّنَّة، وأولئك لم يريدوا كل قول وعمل، إنما أرادوا ما كان مشروعاً من الأقوال والأعمال، ولكن كان مقصودهم الرد على المرجئة الذين جعلوه قولاً فقط، فقالوا بل هو قول وعمل، والذين جعلوه أربعة فسروا مرادهم كما سئل سهل بن عبد الله التستري عن الإيمان ما هو، فقال: قول وعمل ونية وسُنة، الإيمان إذا كان قولاً بلا عمل فهو كفر، وإذا كان قولاً وعملاً بلا نية فهو نفاق، وإذا كان قولاً وعملاً ونية بلا سُنة فهو بدعة" (١) .
ثم إن الشبهة قد دخلت على من دخلت عليه - قديماً وحديثاً - في هذا الباب من أمرين رئيسيين:
أولهما: الخطأ في فهم معنى الكفر العملي.
الثاني: الخلط فيما هو لازم لإجراء الحكم في الظاهر وما هو من أحكام الآخرة.
فنقول وبالله تعالى التوفيق:
أولاً: الخطأ في فهم معنى الكفر العملي:
فقد جرى هؤلاء في فهم الكفر العملي على أنه كفر لا يخرج من الملة مطلقاً، واعتقدوا أن كل عمل مكفر بالجوارح هو كفر عملي لا يخرج من الملة لوقوعه بالجوارح وعدم دخول الاعتقاد فيه - ولا ندري كيف ظنوا أن ارتكاب أي عمل مكفِّر لا يلازمه سقوط الاعتقاد؟! فيكون كل كفر عملي عندهم كفراً أصغر لا ينقل عن الملة!!.
والمقصود بالكفر العملي أنه المعاصي التي أطلق عليها الشارع اسم الكفر، ولكن لم يمكن اطلاق الكفر الأكبر عليها لوجود أدلة أخرى من الشريعة تدل على أنها ليست منه.