للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إذن فإن قضية لزوم جنس الأعمال - أعمال الجوارح - للنجاة من الخلود في النار، هي قضية محسومة إن جمعنا بين أقوال العلماء، وفهمناها فهماً صحيحاً متناسقاً لا يخل بما ورد عنهم في مواضع أخرى، أو بمقتضى قواعد أخرى، خاصة وأن عبارات السلف الصالح والأئمة الأعلام قد تتضارب - في ظاهرها - في العديد من المسائل. ولولا اتساق الفهم وحسن الظن بهم والتقدير لهم، مع العلم بأن اختلافهم، إنما هو اختلاف في الأنظار ووجهتها. وأن كل واحد منهم ينظر إلى طرف صحيح، والناج عند أحدهم ناج عند الآخرين والهالك عند أحدهم هالك عند الآخرين، لولا ذلك لأورثنا النظر في العديد من مقالاتهم اضطراباً شديداً في الفهم. والناظر في كتاب ابن تيمية: "الإيمان" يجد مصداق قولنا واضحاً. فإنه قد نقل عن السلف والأئمة في الكتب عن مسمى "الإيمان «أقوالاً كثيرة في عبارات مختلفة توهم التضارب والتضاد فمن قائل إن الإسلام الكلمة، والإيمان العمل، ومن قائل إن الإسلام اعتقاد ونطق، ومن قائل إن الإيمان قول وعمل ونية، إلى غير ذلك من العبارات.

ولكن حاشاهم والتضارب والتضاد، إنما هي أنظار مختلفة تتفق كلها في الأصل ويتجه كل منها إلى طرف صحيح في ذاته وإنما سوء الفهم، وعدم الجمع بين الأدلة، وعدم إنزال كل قول على المراد منه بالنظر إلى القضية ككل، هو سيما المقصرين من أبناء هذا العصر الآخذين بظواهر العبارات، مما أداهم إلى إثبات ما لم يقصد إليه أحد من السلف والعلماء. يقول ابن تيمية موضحاً هذا المعنى:

"ومن هذا الباب أقوال السلف وأئمة السُّنَّة في تفسير الإيمان فتارة يقولون هو قول وعمل، وتارة يقولون هو قول وعمل ونية، وتارة يقولون قول وعمل ونية واتباع السُّنَّة، وتارة يقولون قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، وكل هذا صحيح" (١) .


(١) "الإيمان" لابن تيمية ص١٤٦ ومابعدها.

<<  <   >  >>