كلمة المرجئة من أرجأ أي أمهل وأخر وقد ذكر أن أصل هذه الفرقة هم الجماعة الذين امتنعوا من الدخول في الفتن بين عثمان وصحبه وبين علي ومعاوية رضي الله عنهم ثم تطورت بعد ذلك إلى القول في أصل الإيمان والكفر وسائر الاعتقادات وكانت لهم أقوال خالفوا بها الشيعة والخوارج، وكانوا بها على الطرف الآخر من الإفراط وكان مؤدى قولهم شيوع الفساد والمجاهرة بالمعاصي بين العامة. يقول المودودي: "بدأت هذه الفرقة أيضاً تبني لرأيها نظريات دينية مستقلة خلاصتها: الإيمان هو الاعتراف بالله والرسول صلى الله عليه وسلم فحسب، والعمل ليس ضرورياً للإيمان وعلى هذا فالمرء يبقى مؤمناً حتى لو كان تاركاً للفرائض مرتكباً للكبائر.
أن أساس النجاة هو الإيمان فحسب وأي معصية – مع وجود الإيمان – لا تلحق بالمرء ضراً ولا أذى وزاد بعض المرجئة على ذلك فقالوا: إن الكبائر التي هي دون الشرك مغفورة لا محالة، ووصل البعض الآخر إلى أكثر من هذا إذ قالوا إذا كان المرء يؤمن بقلبه وأعلن الكفر بلسانه حتى في دار الإسلام حيث لا خوف من أحد أو عبد الأصنام أو تهود أو تنصر فهو كامل الإيمان وولي الله من أهل الجنة، فشجعت هذه الأفكار على إرتكاب المعاصي والفسق والفجور والظلم والجور. وجعلت الناس يجرؤون على مقارفة الذنوب وارتكاب الكبائر معتمدين على غفران الله" راجع "الخلافة والملك" للمودودي ص ١٤٥ و"الملل والنحل" لابن حزم جـ٤ ص ٢٠٤. أما عن خلف هؤلاء فهم أقرب ما يكون منهم، وإن لم يلزم تطابقهم مع سلفهم في كل قول فإن اسم الفرقة ينسحب على عدد من الآراء المتعددة المنضوية تحت أصل واحد لاتحاد مواردها ومشاربها. ومن أهم النقاط التي اتفقوا فيها مع سلفهم هو أنه لا يمكن الحكم على شخص بالكفر ولو أتى بأعمال الكفر كلها استناداً إلى أنه لم يجحد، فالإيمان عندهم التصديق، والكفر هو التكذيب، وما لم يكذب فلا يكفر بعمل أيا كان بل يكون عمله كفر عملي لا يخرج من الملة! فتأمل.