وقد سبق نقل ما أورده ابن القيم في زاد المعاد:".. أن إقرار الكاهن الكتابي لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه نبي، لا يدخله في الإسلام ما لم يلتزم طاعته ومحبته ومتابعته"(١) .. الخ.
وأبو طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي نصره وشد أزره في طوال السنين العشرة التي عاشها في أول الدعوة، كان يعلم حق العلم معنى دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويفهم أن دعوة "لا إله إلا الله" هي بذاتها دعوة هدم الأصنام، لتحل محلها تلك الكلمة، فيرد الأمر كله إلى الله عز وجل وحده.
فالتوجه بالدعاء والشعائر والرجاء والخوف والتوكل، سيكون لله مباشرة، وليس للأصنام، والولاء والتناصر سيكون لله وفي الله.
والتحاكم إلى الله وحق التشريع لله، وهو الحق الذي اغتصبه الوثنيون فأعطوه للأصنام، وما في معناها.. ففهم أبو طالب أن كل هذه المعاني هي مقتضى الكلمة التي دعاه إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفهم منها أنها نظام متكامل يهدم النظام الذي يعيشون عليه، والذي بنى على أساس الإشراك بالله. فكان أن رفض أبو طالب ذلك الأمر كله. ولم يرفض مجرد التلفظ بكلمة ليس لها مضمون ولا محتوى.
فإذن ما كان يريده رسول الله صلى الله عليه وسلم منه هو التوبة عن الشرك، والانخلاع من عبادة غير الله، وأن يلقى الله على غير دين عبد المطلب، بل على دين إبراهيم ومحمد صلوات الله وسلامه عليهما، والعبودية لله وحده بقبول شرعه، ورفض ما سواه، مع الإقرار بالتوحيد وصحة الرسالة، وهي أشياء لا تتوقف على دخول وقت، ولا حولان حول، ولا انتفاء مانع، ولا غير ذلك مما يلزم وجوده في الفروع دون الأصل.