للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهي قضية عين تنزل على مقتضى القواعد الكلية. ولم يرد في القصة أن هذا كان ابتداء إسلامها، وكذلك لم يرد أنها عندما أقرت به بما أقرت به لم تدخل فيما دخل فيه غيرها من المسلمين. أو لم تكن قد دخلت فعلاً فيما دخل فيه المسلمون. وقد تكون القصة وردت لتبين أي قدر من الإيمان يلزم للعتق، وعلى كل حال فقضايا الأعيان ترتبط بملابساتها دائماً، ولا يمكن أن يقدح حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم سواء في هذه الحادثة أو في غيرها في القواعد والأصول، ولهذا لم يقدح حبس ثمامة بن أثال، في سارية المسجد، في عموم النهي عن دخول كل المشركين لكل المساجد. وقد جاء في الرواية الأخرى، أنه عندما سألها أين الله؟ ، قالت: في السماء. وقد اختلف المتكلمون أنفسهم في الرد على هذا السؤال، فالمعتزلة قالت: في كل مكان، وقالت الأشاعرة: لا في داخل العالم ولا في خارجه، وقال السلف في السماء فوق عرشه من غير تحيز، وكلهم يشهد أن لا إله إلا الله (١) !

فإذا كان اللفظ يثبت إسلاماً، لوجب اعتبار العباس مسلماً بقوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد كنت مسلماً – مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعتبره كذلك بمجرد هذا القول – ولوجب اعتبار من تكلم بالإسلام في مكة مع مظاهرتهم للمشركين مسلمين بمجرد القول، كذلك فإن الذين قالوا: صبأنا لم يمكن القطع بإسلامهم في الحال بناءً على القول، ولا فرق كما قلنا بين ذلك وبين قول الجارية.


(١) وينبغي الإشارة هنا إلى أن هؤلاء المخالفين لأهل السنة بإثبات الإيمان بمجرد القول – ويجعلون عمدتهم في ذلك ظاهر الحديث – قد أولو قول الجارية: في السماء، وصرفوه عن ظاهره خلافاً لأهل السنة الذين يثبتون كون الله عز وجل في السماء فوق العرش مباين للخلق، فلو قال قائل: إن الله في السماء لما اعتبروا ذلك القول صحيحاً ابتداءً، فكيف يصححون الإيمان بمجرده؟!.

<<  <   >  >>