للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأن الخلود في النار الناشئ عن الكفر لا يكون إلا بارتكاب عمل من أعمال الشرك، أما بقية الذنوب فهي لا توجب الخلود في النار بالتالي – وهي الصغائر والكبائر – وتكون المعصية المذكورة في الآيات هي المعصية بمعنى المحادة والكفر، وليست بمعنى الذنب الذي هو دون الشرك، وهذا هو فهم جمهور السلف الذي يجمع الأطراف المستدل بها في الموضوع.

يقول الطبري في آية النساء: فإن قال قائل: أو يخلد في النار عصى الله ورسوله في قسمة المواريث؟ قيل: نعم، إذا جمع إلى معصيتهما في ذلك شكاً في أن الله فرض عليه ما فرض على عباده في هاتين الآيتين، أو علم ذلك فحاد الله ورسوله في أمرهما.

وفي إشكالهم هذه الآية فهو من أهل الخلود في النار، لأنه باستنكاره حكم الله في تلك يصير بالله كافراً ومن ملة الإسلام خارجاً (١) .

ويقول القرطبي: ".. والعصيان إن أريد به الكفر فالخلود على بابه، وإن أريد به الكبائر وتجاوز أوامر الله تعالى فالخلود مستعار لمدة ما، كما تقول: خلد الله ملكه، وقال زهير: "ولا خالداً إلا الجبال الرواسيا" (٢) .

فيصح في اللغة استعمال كلمة الخلود للتعبير عن طول المدة دون ظاهر اللفظ الذي هو عدم الخروج مطلقاً، والقرآن عربي نزل بلسان عربي مبين فيصح – بل يجب – فهمه بأسلوب خطاب العرب، لا حسب ظواهر دلالة اللغة، لما يحدث ذلك من تناقض في المفاهيم الشرعية وتضارب في آياته لا داعي له.

أما عن آية البقرة: (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته) : فقد كان إجماع السلف على أنها في المشرك، فالسيئة هنا هي الشرك، وبهذا القول قال أبو وائل ومجاهد وقتادة والسدىوعطاء وابن جريج والربيع، ونقله الطبري وابن كثير والقرطبي وغيرهم. أما إحاطة الخطيئة فهي الذنوب الجمة التي يفعلها المشرك في حياته فتصبح محيطة به لا مهرب له منها.


(١) "الطبري" جـ٤ ص ٢٩١.
(٢) "القرطبي" جـ٥ ص ٨٢.

<<  <   >  >>