وسلم، وإن شئت صنعت ما صنع عمر فهو خير هذه الأمة بعد أبي بكر. قال: لله أبوك وما صنعوا؟ قال: قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يعهد ولم يستخلف أحدا، فارتضى المسلمون أبا بكر، فإن شئت أن تدع هذا الأمر حتى يقضي الله فيه قضاءه فيختار المسلمون لأنفسهم فقال: إنه ليس فيكم اليوم مثل أبي بكر، إن أبا بكر كان رجلا تقطع دونه الأعناق، وإني لست آمن عليكم الاختلاف. قال: صدقت والله ما تحب أن تدعنا على هذه الأمة. قال فاصنع ما صنع أبو بكر. قال: لله أبوك قال: وما صنع أبو بكر؟ قال: عمد إلى رجل من قاصية قريش ليس من بني أبيه ولا من رهطه الأدنين فاستخلفه، فإن شئت أن تنظر أي رجل من قريش شئت ليس من بني عبد شمس فترضى به قال: لله أبوك الثالثة ما هي؟ قال: تصنع ما صنع عمر. قال: وما صنع عمر؟ قال: جعل هذا الأمر شورى في ستة نفر من قريش، ليس فيهم أحد من ولده ولا من بني أبيه ولا من رهطه. قال: فهل عندك غير هذا؟ قال: لا. قال: فأنتم؟ قالوا: ونحن أيضا. قال: أما أنا فإني أحببت أن أتقدم إليكم أنه قد أعذر من أنذر، وإنه قد كان يقوم منكم القائم إلي فيكذبني على رؤوس الناس، فأحتمل له ذلك وأصفح عنه. وإني قائم بمقالة إن صدقت فلي صدقي وإن كذبت فعلي كذبي، وإني أقسم لكم بالله لئن رد علي منكم إنسان كلمة في مقامي هذا لا ترجع إليه كلمته حتى يسبق إلي رأسه، فلا يرعين رجل إلا على نفسه، ثم دعا صاحب حرسه فقال: أقم على رأس كل رجل من هؤلاء رجلين من حرسك، فإن ذهب رجل يرد علي كلمة في مقامي هذا بصدق أو كذب فليضرباه بسيفيهما (١)
(١) - قلت: إذا صحت هذه الرواية فإن مسألة الولاية مسألة اجتهادية، وقد عزل عمر بن الخطاب سعد بن وقاص وولى من دونه في الفضل، ولعل معاوية - رضي الله عنه -رأي أنه في ترك الناس هكذا فساد عظيم وبلاء جسيم فا لذلك أختار لهم يزيد، أما اتهام يزيد بالفسق وشرب الخمر، فهذا من الكذب الظاهر، وندع محمد بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يجيب على هذا الادعاء لأنه أقام عند يزيد وهو أدرى به، قال ابن كثير في البداية ((لما رجع أهل المدينة من عند يزيد مشى عبد الله بن مطيع وأصحابه إلى محمد بن الحنفية فأرادوه على خلع يزيد فأبى عليهم، فقال ابن مطيع: إن يزيد يشرب الخمر ويترك الصلاة ويتعدّى حكم الكتاب. فقال لهم: ما رأيت منه ما تذكرون، وقد حضرته وأقمت عنده فرأيته مواظباً على الصلاة متحرياً للخير يسأل عن الفقه ملازماً للسنة، قالوا: فإن ذلك كان منه تصنّعاً لك. فقال: وما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر إليّ الخشوع؟ أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر؟ فلئن كان أطلعكم على ذلك إنكم لشركاؤه، وإن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا. قالوا: إنه عندنا لحق وإن لم يكن رأيناه. فقال لهم أبى الله ذلك على أهل الشهادة، فقال {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} ولست من أمركم في شيء، قالوا: فلعلك تكره أن يتولى الأمر غيرك فنحن نولّيك أمرنا. قال: ما استحل القتال على ما تريدونني عليه تابعاً ولا متبوعاً، فقالوا: فقد قاتلت مع أبيك، قال: جيئوني بمثل أبي أقاتل على مثل ما قاتل عليه، فقالوا: فمر ابنيك أبا القاسم والقاسم بالقتال معنا، قال: لو أمرتهما قاتلت. قالوا: فقم معنا مقاماً نحض الناس فيه على القتال، قال: سبحان الله!! آمر الناس بما لا أفعله ولا أرضاه إذاً ما نصحت لله في عباده قالوا: إذاً نكرهك. قال: إذا آمر الناس بتقوى الله ولا يرضون المخلوق بسخط الخالق، وخرج إلى مكة. البداية والنهاية.٨/ ٦٠٤