للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأصنام (١)، ثم كان من عبادتهم أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن، إلا احتمل معه حجراً من حجارة الحرم، تعظيماً للحرم، وصبابة بمكة، فحيثما حلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة، تيمناً منهم بها، وحباً منهم للحرم، وشوقاً اليه، واستمروا كذلك حتى أدخل فيهم عمروابن لحي عبادة الأوثان - وكان ذلك قبل البعثة النبوية بخمسائة سنة على ما يقولون - فهو أول من غيّر دين إسماعيل عليه السلام، وكان من أمره أن تولى حجابة البيت بعد إجلاء جرهم عن مكة وما حولها، ثم مرض مرضاً شديداً، فقيل له: إن بالبلقاء من الشام حمة - وهي التي يقال لها الحَمة الآن - إن أتيتها برأت، فأتاها فاستحم بها فبرأ، ووجد أهلها يعبدون الأصنام فقال: ما هذه؟ فقالوا: نستسقي بها المطر، ونستنصر بها على العدو، فسألهم أن يعطوه منها، ففعلوا، فقدم بها مكة، ونصبها حول الكعبة (٢) , وانتشرت بعد ذلك عبادة الأصنام في جزيرة العرب، حتى كان لأهل كل دار في مكة صنم يعبدونه في دارهم، فإذا أراد أحدهم السفر، كان آخر ما يصنع في منزله أن يتمسح به، وإذا قدم من سفره، كان أول ما يصنع إذا دخل منزله أن يتمسح به أيضاً.

ثم أولعت العرب بعبادة الأصنام، فمنهم من اتخذ بيتاً، ومنهم من


(١) الاصنام: هي ما كان من المعبودات على هيئة تماثيل، والانصاب: هي أحجار يعبدونها وينحرون عندها.
(٢) كتاب الاصنام لهشام بن محمد بن السائب الكلبي: ص ٨.

<<  <   >  >>