للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

كل من الجنسين في غاية الطهارة من أدناس الريبة بين الجنسين، وقد تقرر في علم الأصول أن العلة تعمم معلولها وتخصصه، والعلة في هذه الآية المتضمنة هذا الأدب السماوي الكريم الكفيل بالصيانة والعفاف وحفظ الكرامة والشرف مُعَمِّمة لحكم الآية الكريمة في جميع نساء المسلمين إلى يوم القيامة، وإن كان لفظها خاصًّا بأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك في قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: ٥٣].

ثم بين حِكْمة هذا الأدب السماوي وعلته ونتيجته بقوله جل وعلا: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: ٥٣] فدل ذلك بمسلك الإيماء والتنبيه من مسالك العلة أن علة السؤال من وراء حجاب هي: المحافظة على طهارة قلوب كل من الجنسين غاية الطهارة، حيث عبَّر تعالى بصيغة التفضيل في قوله: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} ودل هذا التعليل بأطهرية قلوب الجنسين أن حكم الآية عام للنساء المسلمات إلى يوم القيامة، لأن أطهرية قلوبهن وقلوب الرجال من الريبة منهن مطلوبة إجماعًا فلا يصح لقائل أن يقول: المطلوب طهارة قلوب أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقط، وطهارة قلوب الرجال من الريبة معهن فقط، بل ذلك مطلوب في جميع النساء إلى يوم القيامة كما لا يخفى، فدل ذلك على أن العلة المشار إليها بقوله {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} مقتضية تعميم هذا الحكم السماوي النازل بهذا الأدب الكريم المقتضي كمال الصيانة والعفاف والمحافظة على الأخلاق الكريمة والتباعد من التدنس بالريبة، فسبحان من أنزله ما أعلمه بمصالح خلقه وتعليمهم مكارم الأخلاق!

<<  <   >  >>