ومعلوم أن كثيرًا من أنواعه لا تنهض الحجة به، ومنه ما هو حق كسد الذرائع. وقد تقرر في الأصول أن الذرائع ثلاثة أقسام: واسطة وطرفان.
١ - طرف يجب سده إجماعًا، كسب الأصنام إذا كان عابدوها يسبون الله مجازاة على سب أصنامهم. فسبُّ الأصنام في حدِّ ذاته مباح، فإذا كان ذريعةً لسبِّ الله مُنِعَ. بنص قوله تعالى:{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيرِ عِلْمٍ}[الأنعام: ١٠٨]. وكحفر الآبار في طريق المسلمين، فإنه ذريعة لتردِّيهم فيها. وسد هذه الذريعة واجب إجماعًا يمنع ذلك.
٢ - وطرف لا يجب سدُّه إجماعًا، وهو ما كانت المفسدة فيه تعارضها مصلحة عظمى أرجح منها، كغرس شجر العنب، فإنه ذريعة إلى عصر الخمر منه وعصرها ذريعة لشربها. إلا أن مصلحة انتفاع الأمة بالعنب والزبيب في أقطار الدنيا أرجح من مفسدة عصر بعض الأفراد للخمر منها. فقد أجمعَ المسلمون على جواز غَرْس شجر العنب إلغاءً للمفسدة المرجوحة بالمصلحة الراجحة. وكمواطنة الرجال والنساء في بلد واحد، فإنه ذريعة لحصول الزنا من بعض الأفراد، ولكن تعاون النوعين الذكر والأنثى في ميادين الحياة مصلحة راجحة على تلك المفسدة المرجوحة، فلم يقل أحد من أهل العلم: إنه يجب أن يعزل الإناث في محل لا يسكن فيه ذكر، وأن يجعل دونهن حصن عظيم أبوابه من حديد، وتكون المفاتيح عند أمين ذي شيبة لا