للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المعنى شارحوهما، ولا شارحو الكشاف، وقد تكرر نظيره في القرآن، كقوله في سورة" الرعد ":"وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع" وقوله ـ صلى الله عليه وسلم: في حديث "مسلم":" ما الدنيا في الآخرة إلا كمثل مايجعل أحدكم أصبعه في الْيَمِّ، فلينظر بم يرجع " وهو في التحقيق من الظرفية المجازية: أي متاع الحياة الدنيا إذا أقحم في خيرات الآخرة كان قليلا بالنسبة إلى كثرة خيرات الآخرة، فلزم أنَّه ما ظهرت قلته إلا عندما قيس بخيرات عظيمة تنسب إليها، فالتحقيق أنَّ المقايسة معنى حاصلٌ لاستعمال حرف الظرفية، وليس معنى موضوعا له حرف في " (١٤)

الطاهر هنا يعمد إلى تحرير وجه دلالة " في" على المقايسة، وليس ما نعًا من إفادة "في" سياقًا معنى المقايسة، وهذا من تدقيقاته، فلينتبه طالب العلم، فلا يظن أن الشيخ لايقول بمعنى المقايسة في الآية. إنه يقول به، ولكنه لايراه من المعانى التى هي موضوع لها " في"، فهو من باب الإفادة، لامن باب الدلالة.

وهذه الحقيقة القرآنية مازجة بين أمرين: تسفيه شأن المفتون بمتاع دنيا ناقص زائل، وإغراء بنعيم الاخرة المقيم متربص

وقد جاء البيا ن عنها في اسلوب تخصيص حصري على سبيل قصر الموصوف على صفة قصرًا تحقيقيا، فالمعنى على أن متاع الدنيا في حساب نعيم الآخرة مقصور على صفة القلة، وهي صفة عامة،

فليست القلة هنا قلة عديدية بل قلة تَعُمُّ كلَّ شأن من شئون متاع الدنيا في حساب نعيم الآخرة

والقرآن الكريم لم يصرح بما يقابل متاع الدنيا من شان الآخرة، فلم يقل: فما متاع الحياة الدنيا في نعيم الحياة الاخرة إلا قليل،إشارة إلى أمرين:

الأول: أن الدنيا ليست كلها متاعًا بل بعض من أبعاضها العديدة متاع


(١٤) التحرير والتنوير: ١./ ١٩٨

<<  <   >  >>