للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وفي بيان عاقبة الإعراض عن النفار إلى الجهاد في سبيل الله بقوله " (يعذبكم عذابًا اليما) ملاحظة لجنس ما يعاقبون عليه: يعاقبلون على ترك النفار إلى الجهاد في سبيل الله للتمتع بمتاع الحياة الدنيا، ومن تَعَجَّل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه، فكان جزاؤهم عذابا، والعذاب، كما سبق أن بينت لك إنما هو منسول من معنى المنع، فجزاؤهم على الرغبة عن النفارإلى الجهاد في سبيل لله للرغبة في متاع الحياة الدنيا هو منعهم مما تشتهي أنفسهم، فالمعذَّبُ في لسان العربية هو الممنوع مما ينفعه ويمتعه، فالجزاء كما ترى من جنس العمل

والعذابُ الذي هو المنع مما ينفع أو يمتع ليس مقصورًا وقوعه في الآخرة، وإن كان هذا كائنًا في أعلى صور تحققه، ولكنَّه متحققة بعض صوره في الدنيا، فهو عذاب ممتد في الحياة الدنيا والآخرة

لو نظرت في واقع الحياة من حولك رأيت الذين لايمنعون أنفسهم عن التمتع بمالا يحلُّ لهم تكون عقباهم في دنياهم أن لايمنعوا من مما حرم عليهم فحسب بل يمنعوا أيضًا مما هو طيب لغيرهم الذين لم يقيموا أنفسهم من قبل في سياق التمتع بما لايحل التمتع به

إن أكثر من يمنعهم أطباؤهم مما أحلَّ الله عز وجل لهم من قبل تراهم قد اجترؤوا على التمتع بما حرم الله تعالى عليهم، فعذبهم الله عز وجل أي عاقبهم بالمنع مما هو حلال طيب لغيرهم، ويبقى عقابهم في الاخرة

وانظر في تاكيد الجزاء في قوله (عذابا أليما) وكيف أنه وصفه بأنه أليم ولم يصفه هنا بأنه شديد أو عظيم أو مهين، فإن في قوله (أليم) معنى الإيجاع الذي هو ضد التلذذ والتمتع لتكون العقوبة والجزاء بضد الجريمة والمعصية

وهو لم يكتف بهذا الجواب:" يعذبكم عذابًا أليما" بل عطف عليه لونا آخر: " ويسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ " جاء في مواطن عدة التهديد بمثل هذا:

<<  <   >  >>