للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولو قيل في غير القرآن الكريم:إلا تنصروه فسينصره الله فقد نصره إذ أخرجه لما فهم منه أن " السين " التى في " سينصره" حاملة ما تحمله: قد" في " قد نصره" من التحقيق لكنه لما أقام (قد نصره الله" مقام "سينصره" دلَّ ذلك على كمال تحقق نصر الله تعالى له، فكان فيه جمع من الدلائل على تحقق نصر الله تعالى له: " قد" والفعل الماضى وإسناد الفعل إلى اسم الجلالة " الله" فإسناد الفعل إليه تعالى جدُّه يحمل إلى قلب المسلم فيضًا من اليقين بتحقق ما أسند إلى اسمه جلَّ جلاله.

ويفهم من إقامة (فقد نصره الله) مقام (سينصره) أن نصره حينئذٍ أي حين ترغبون عن نصره سيكون من بابة نصره إذ أخرجه الذين كفروا، وهم يعلمون كيفية نصره حينذاك فقد كان من قبيل المعجزة المدهشة التى تقف أمامها العقول في غاية من الإبلاس.

وفي هذا عظيم إيناس لرسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وعصمة قلبه من أن ينشغل بتصرفات أحد من الخلق، فلا يتطلع إلى إقبال أحد أو انصرافه إلا بمقدار إشفاقه عليه لاخوفه على دين الله عز وجل، فهو الذي قد رسخ في قبله في بدء الدعوة قول الله تعالى له في سورة " الضحى": " وللآخرة خير لك من الأولى * ولسوف يعطيك ربك فترضى" وهذا من مزيد حب الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم،إذ يريد أن يكون قلبه منصرفًا إليه وحده غير مشغول بشأن أحد من خلقه.

وفي قوله:" إذ أخرجه الذين كفروا " بيانٌ بالإخراج عمَّا قابلوه وأصحابه به من التعذيب والتكذيب، فذلك إنما يقوم مقام إخراجه بالفعل، فأسند الفعل:"الإخراج" إلى من كان منه السبب الحامل عليه، وهذا ليس مبالغة، بل هو من حاقِّ العدل الإلهي: من تسبب في الاضطرار إلى فعل كان هو في الحقيقة الفاعل له، وفي هذا إعلام بأن من يكون منه ما يحمل على وقوع شيء هو في الحقيقة فاعل ذلك الشيء

<<  <   >  >>