فسَّرَ السَّلفُ القرآنَ باجتهادهم، وكان ممَّن خاضَ فيه: الصحابةُ والتابعونَ وأتباعُ التابعين. وهؤلاء همُ الذين نَقَلَتْ أقوالَهم الكتبُ التي تحرِصُ على التفسير المأثور عنهم.
وَقَلَّ أن تجدَ بعدَ هذه الطبقات من اشتهرَ برأيه في التفسير، بل صارَ الحالُ على نقلِ أقوالهم، ولا يُعرفُ من كان له اجتهادٌ بارزٌ فيمن تأخَّر عنهم كاجتهاد ابن جرير الطبري (ت:٣١٠)، فقد كان يتخيَّرُ من أقوالهم، وينقدُ بعضَها بأسلوبٍ عِلْمِيٍّ متين، ويسيرُ في ذلك على قواعدَ واضحةٍ، حتى بَرَزَتْ فيه شخصيَّةُ المفسِّرِ المرجِّح، أو المفسِّر الناقد.
وقد برزَ في جيل الصحابة حَبْرُ الأمةِ وتُرْجُمانُ القرآن: عبد الله بن العباس بن عبد المطلب (ت:٦٥)، وكان بحقٍّ رائدَ التفسير، وأستاذَهُ الذي لا يجاريه فيه أحد.
وبرزَ بعدَه تلاميذه؛ كسعيد بن جُبير (ت:٩٤)، ومجاهد بن جَبْر (ت:١٠٤)، وعِكْرِمة (ت:١٠٥)، وعطاء بن أبي رَباح (ت:١١٤)، وغيرهم.
وبرزَ فيه من أهل البصرة: أبو العالية رفيع بن مِهْران الرِّياحي (ت:٩٣) الذي أخذَ عن أهل المدينة وعن ابن عباس، فكانت مشاربه العلمية مختلفة، والحسن البصري (ت:١١٠)، وتلميذه قتادة بن دِعامة السَّدوسي (ت:١١٧).
وبرز في المدينة: محمد بن كعب القرظي (ت:١١٨)، وزيد بن أسلم (ت:١٣٦).
وبرزَ في الكوفة: أبو صالح باذام، مولى أمِّ هانئ، وإبراهيم النخَعي (ت:٩٦)، وعامر الشعبي (ت:١٠٣)، وأبي مالك غزوان الغِفاري.
وفي جيل أتباع التابعين، برز في مكة: عبد الملك بن جُرْيَجٍ (ت:١٥٠)، وسُفيان الثوري (ت:١٦١) الذي كان منشأ حياته في الكوفة، ثم سكنَ مكة والمدينة، وسفيان بن عُيينة (ت:١٩٥) الكوفي الذي استوطن مكة.