على تمامِه إذا لم تَعْلَمْ معنى {الْمُعْصِرَاتِ}، ومعنى {ثَجَّاجًا}، فإذا عَلِمْتَ أنَّ {الْمُعْصِرَاتِ} هي السَّحاب، وأنَّ {مَاءً ثَجَّاجًا} هو الماءُ المُنْصَبُّ بكثرةٍ وغزارةٍ، اتَّضَحَ لك المعنى العام للآية، وصارَ بيانها: وأنزلنا من السَّحاب ماءً مُنْصَبًّا بكثرةٍ وغزارة، وهو ماءُ المطر.
ومن الأمثلةِ التي لا ينطبق عليها ضابطُ البيان، تفسير قوله تعالى:{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[الإخلاص: ٤]، قال الطاهر بن عاشور: «وتقديمُ خبرِ (كان) على اسمها؛ للرعاية على الفاصلة، وللاهتمام بذكرِ الكفؤ عَقِبَ الفعل المنفي؛ ليكونَ أسبقَ إلى السمع» (١).
ذكرَ الطاهر بن عاشور فائدتين من تقديم خبر كان، وهاتان الفائدتانِ من علوم التفسير، لا من صُلبه؛ لأنك لو لم تَعْلَمْهُما، فإنه لا يخفى عليك المعنى المراد بالآية، وهو التفسير، وإن كان في ذِكرهما فائدة.
وقِسْ على هذا كثيراً من مسائلِ النَّحْوِ، والفقهِ، والبلاغةِ، وغيرها ممَّا يَتَفَنَّنُ بذِكره من ألَّف في التفسير، فإنه إنَّما زادت المؤلَّفات وتنوَّعت بسبب الاهتمام بعلوم التفسير، لا بصُلبه، ولو اعتنى المفسِّرون بصلبه فقط، لتقاربت مناهجهم، وإنما تمايزت بسبب إدخالهم هذه العلوم التي قد تُبْعِدُ طالبَ التفسير عنه، بل قد تُزهِّده بصُلبه، وهو لا يدري أنه هو المراد الأول، والمَطْلَبُ الأمثل لدارسِ التفسير، وأنَّ هذه الفوائد إنما تُبنى على صِحَّةِ التفسير، فإذا كان الفهمُ خطأً، كانت الفوائدُ المترتبةُ عليه أخطاءً كذلك، فلا تَغْفَلْ عن هذا المعنى، وتأمَّلْهُ، وقَلِّبْهُ في فِكرك لتتبيَّن صِحَّته من خطئِه، والله الموفِّق والهادي إلى سواء السبيل.
[المسألة الثانية: أنواع الاختلاف وأسبابه]
التفسير: إمَّا أن يكون مُجْمَعاً عليه، وإمَّا أن يكون مختلَفاً فيه. وإمَّا