للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٢ - قولُه تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ}؛ أي: يومُ الغاشيةِ تكونُ وجوهٌ حاضرةٌ له ذليلةً في النار (١)، وهي وجوهُ الكفَّار.

٣ - قولُه تعالى: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ}؛ أي: هذه الوجوهُ الكافرةُ عاملةٌ في النار، تعملُ من الأعمال ما به مشقَّةٌ وتَعَب، ومن ذلك جَرُّ السلاسِلِ والأغلالِ وغيرها من أنواعِ العذابِ التي تعمَلُها في النارِ (٢).


(١) فسَّرها قتادة من طريق سعيد: «ذليلة»، وزاد من طريق معمر: «خاشعة في النار»، فبيَّن مكان خشوعِها.
(٢) سياقُ الآيات يدلُّ على أنَّ هذا العملَ يكونُ في النار، ولا يصحُّ أن يقال: إنَّ الآخرةَ ليس فيها عمل؛ لأنَّ هذه المسألة لا دليلَ عليها من كتابٍ ولا سنَّة، وإنما هي استنباطٌ عقلي، وهو غير صحيح. وبهذا جاء التفسيرُ عن السلف، وَرَدَ ذلك عن ابن عباس من طريق العوفي، والحسن من طريق أبي رجاء، وقتادة من طريق سعيد ومعمر، وابن زيد.
وقد حملَ بعض المفسِّرين الآية على الدنيا، وقال بأنها في الرُّهبانِ الذي يُتعبِون أنفسهم في عبادة الله، وهم على الباطل، فَيَتعَبون في الدنيا ويُعذَّبون في الآخرة، وذكروا في ذلك أثراً عن عمر رضي الله عنه في أنه رأى راهباً فبكى، وقال: ذكرتُ قولَ الله: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ *تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً}، والأثر فيه انقطاع، ولو صحَّ، فإنه يكون تفسيراً قياسياً، لا أنَّ المرادَ بالآية هذا الرَّاهبُ وجنسُه فقط، بل هي في جميعِ الكفَّارِ، والله أعلم.
وقد أوردَ البخاريُّ عن ابن عباسٍ في تفسيرِ هذه الآيةِ أنهم النصارى، وفي روايةِ غير البخاري، اليهود، وهو محمولٌ على ما ذكرت، أو أنه أشارَ إلى قومٍ من الذين يعملونَ وينصبون في الآخرة في النار، فيكون تفسيراً بالمثال، والله أعلم.
وقد ذكر ابن تيمية هذين القولين، وقال: «... والقول الثاني: أن المعنى أنها يوم القيامة تخشع؛ أي: تذل وتعمل وتنصب. قلت: هذا هو الحق لوجوه». ثم ذكر هذه الوجوه، ومنها: «أنه على هذا التقدير يتعلق الظرف بما يليه؛ أي: وجوه يوم الغاشية خاشعة عاملة ناصبة صالية، وعلى الأول لا يتعلق إلا بقوله: «تَصْلى»، ويكون قوله: «خاشعة» صفة للوجوه، قد فَصَلَ بين الصفةِ والموصوف بأجنبي متعلِّق بصفة أخرى متأخِّرة، والتقدير: وجوهٌ خاشعةٌ عاملة ناصبةٌ يومئذ تَصْلَى ناراً حامية، والتقديمُ والتأخيرُ على خلافِ الأصل، فالأصلُ إقرارُ الكلامِ على نَظْمِه وترتيبه، لا تغيير ترتيبه.
ثم إنما يجوز فيه التقديم والتأخير مع القرينة، أما مع اللَّبْسِ فلا يجوز؛ لأنه يلتبسُ على المخاطَبِ، ومعلوم أنه ليس هنا قرينة تدلُّ على التقديم والتأخير، بل القَرِينةُ تدلُّ على =

<<  <   >  >>