(٢) وردَ عن السلف في تفسير الحسنى أقوال: ١ - صدَّق بالخلف من الله، وردَ ذلك عن ابن عباس من طريق عكرمة وأبي صالح وشهر بن حوشب، وعكرمة من طريق قيس بن مسلم ونضر بن عربي، ومجاهد من طريق أبي هاشم المكي. ووردَ عن قتادة من طريق معمر وسعيد: «صدَّقَ المؤمنُ بموعودِ الله الحَسَن». ويحتمل أن يكونَ مراد قتادة بالموعود: الخَلَفُ من الله، فيكون كهذا القول، والله أعلم. ٢ - صدَّقَ بلا إله إلا الله، وهو قول ابن عباس من طريق العوفي، وأبي عبد الرحمن من طريق أبي حصين، والضحاك من طريق عبيد. ٣ - وصدَّق بالجنة، ورد ذلك عن مجاهد من طريق ابن أبي نجيح. قال الطبري: «وأشبهُ هذه الأقوال بما دلَّ عليه ظاهرُ التنزيل وأَوْلاها بالصواب عندي، قول من قال: عنى به التصديق بالخَلَفَ من الله على نَفَقَته. وإنما قلت: ذلك أَوْلى الأقوالِ بالصواب في ذلك، لأن الله ذكرَ قبلَه منفِقاً طالباً بنفقته الخَلَف منها، فكان أولى المعاني به أن يكون الذي عَقِيبه الخبر عن تصديقه بوَعْدِ الله إياه بالخلف، إذ كانت نفقته على الوجه الذي يرضاه، مع الخبر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بنحو الذي قلنا في ذلك ورد»، ثم ذكرَ الخبرَ، وهو: عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من يوم غربت فيه شمسه إلا وبجنبها ملكان يناديان ـ يسمعه خلق الله كلهم إلا الثقلين ـ: اللهم أعطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، وأعطِ ممسكاً تلَفاً»، فأنزلَ الله في ذلك القرآن: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى *وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} إلى قوله: {لِلْعُسْرَى}». والحُسنى وصفٌ لموصوفٍ، وهي الخَصْلَةُ الحُسنى، وما ذكرهُ السلف محتملٌ في التفسير، وبين أقوالهم تلازم واضح، فمن صدَّق بلا إله إلا الله، فهو مصدِّقٌ بالجنة، ومصدِّق بالخَلَفِ من الله، وكذا العكس، والله أعلم. غير أن السِّياقَ فيما يظهر مرتبطٌ بالإنفاق، ولذا ورد أن هذه الآيات نزلت في إنفاق أبي بكر الصديق، وكذا جاء بعد ذكرِ مَنْ بخلَ بماله قولُه تعالى: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} وما بعدَها من الآيات في الإنفاق، والله أعلم.