وورد عن قتادة من طريق معمر وسعيد تفسير الإيراء من الخيل بأنهن يهيِّجنَ الحربَ بينهم وبين عدوِّهم. الثاني: المقاتِلون الذين يُورون النارَ بعد انصرافِهم من الحرب، ورد ذلك عن ابن عباس من طريق سعيد بن جبير. الثالث: مكرُ الرجال، ورد ذلك عن ابن عباس من طريق العوفي، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح. الرابع: الألسنة، ورد ذلك عن عكرمة من طريق سماك بن حرب. الخامس: الإبلُ تنسِفُ بمناسِفها الحصى، ورد ذلك عن ابن مسعود من طريق إبراهيم النخعي، وهو مقتضى تفسير علي. قال الطبري: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، أن يقال: إن اللَّهَ تعالى ذِكْرُه أقسمَ بالمورِيات، التي توري النيران قَدْحاً، فالخيلُ توري بحوافِرها، والناسُ يُورُونَها بالزَّنْد، واللسان ـ مثلاً ـ يُوري بالمنطِق، والرجالُ يورونَ بالمَكر ـ مثلاً ـ، وكذلك الخيل تهيجُ الحربَ بين أهلِها إذا التقت في الحرب، ولم يضعِ الله دلالةً على أن المرادَ من ذلك بعضٌ دون بعضٍ، فكلُّ ما أوْرَتِ النارَ قدحاً، فداخلة فيما أقسمَ به، لعمومِ ذلك بالظاهر». وهذا الحملُ على العموم فيه نظر، لوجودِ الدلالة على أن المرادَ بالمورِيات عين المرادِ بالعاديات؛ للعطف بالفاء الذي يدل على تفريعِ ما بعدها عن الذي قبلها، وتسبُّبِهِ عنه، وإذا كان ذلك كذلك، فإن الصحيحَ أن هذه الأوصاف في الخيل، وإن كانت المذكورات يشمَلُها وصفُ المورِيات ـ كما ذكر الطبري ـ فإنها ألصقُ بالخيلِ من الإبلِ وغيرِها، ذلك أن الضَّبْحَ في الخيل أشهر، وإيراء النار بحوافِرها أوضح، والله أعلم. ويلاحَظُ أن هذه الأقوال ـ غير القول بأنها الخيل أو الإبل ـ كأنها أخرجَت اللفظ عن سِياقه، وحملتهُ على تأويلٍ لا يناسِبُ العطفَ بالفاء، وهذه مسألةٌ تحتاجُ إلى بحثٍ ونظر، إذ يوجد في تفسير السلف من هذه الشاكلةِ أمثِلة، ويظهر أنها تدخلُ في باب التفسير على القياس، أو حملِ اللفظ على عمومه دونَ النظرِ إلى سياقه الواردِ فيه! قال ابن القيم عن هذه الأقوال: «وهذه الأقوال، إن أُريدَ أنَّ اللفظَ دلَّ عليها، وأنها هي المرادُ فغلَطٌ، وإن أريدَ أنها أُخِذت من باب الإشارةِ والقياس، فأمرُها قريب. وتفسيرُ الناس يدور على ثلاثة أصول: تفسيرٌ على اللفظ، وهو الذي ينحُو إليه =