وعلى هذا الترجيح من الطبري يزيد معنى اللفِّ والجمع، ولم أجِدْهُ لأحدٍ من السلف قبل الطبري، وهو مستنبَطٌ من المعنى اللغويِّ للتكوير، كما أنَّ من قال: رُمي بها، فإنه مأخوذٌ من معنًى لغويٍّ آخر في مادة التكوير، تقول: كوَّرتُ الرجلَ؛ أي: طرحتَه في الأرض، وقد ورد في الحديث: «الشمسُ والقمرُ ثورانِ مكوَّران في النار». وهذا يشهد لهذا المعنى التفسيري، ويزيد عليه بيانَ مآلِ الشمس. أمَّا من فسَّرها بذهبت واضمحلَّت فإن ذلك لازمُ لفِّها كما ذكر الطبري، وإذا ذهبت ذهبَ ضوؤها، والله أعلم. (١) ورد في تفسير الانكدار قولان: الأول: تناثرت، وهو قولُ الربيع بن خثيم، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح، وأبي صالح من طريق إسماعيل، وقتادة من طريق سعيد، وعبارته: «تساقطت وتهافتت»، وابن زيد، وعبارته: «رُمي بها من السماء إلى الأرض». والثاني: تغيَّرت، وهو قول ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة. وهذان القولان ليس بينهما تضاد، بل الثاني من لوازِم الأول، والمعنى أنها إذا تساقطت؛ كما قال تعالى: {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ} [الانفطار: ٢]، فإنها تتغير ويذهب ضوؤها؛ كما قال تعالى: {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ} [المرسلات: ٨]. وهذان القولانِ مرجِعهما اللغة، فالأولُ جعل اللفظَ من الانكدار، أي الانصباب؛ كما قال العجاج: تقضَّى البازي إذا البازي كسر ... أبصر غربان فضاء فانكدر والمعنى الثاني مأخوذ من الكُدرة، وهي التغيُّر، تقول: كدرت الماء فانكدر؛ أي: تغيَّر بما يكدر صفاءَهُ، وهذا من اختلاف التنوع الذي يرجع إلى معنيين غير متضادين، ويجوز أن يرادا في الآية، ويكون سببُ الاختلافِ الاشتراكَ اللغوي في لفظ: انكدرت، والله أعلم. (٢) عبَّر مجاهد عن معنى التسيير بقوله: «ذهبت»، وهذا من لوازم تسيير الجبال؛ لأنها إذا سارت فقد ذهبت، والله أعلم. =