قال: حدثنى الثقة انصرف ذهن الرواة عنه إلى ذلك الشخص، فهم أسموه ثقة لأغراض عندهم تخصه وتخص علمه، وذلك فى حين أن مالكاً رضى الله تعالى عنه كان يقول: إنه زنديق ولا يقبل الرواية عنه، وكان الشافعى رضى الله عنه يروى عنه ويبجله ويجله، ويقول الشافعية إنهم تتبعوا روايات فيه فلم يجدوا فيها خللا أبدا، وأما مالك فقد اتهمه بذلك لغموض بينهما رآها كذلك ولم يرها الشافعى.
على كل حال نحن هنا فى إطلاق كلمة الثقة، على محمد بن إبراهيم بن أبى
يحيى، الذى صار مصطلحاً للشافعى ومصطلحاً لمن أتى بعده فى الرواية، حيث يقول: حدثنا الشافعى قال حدثنا الثقة، وعلى ذلك تصحح الأحاديث وتضعف بناء على علم مصطلح الحديث.
كذلك جرى علماء الحديث علي أنهم إذا أطلقوا الحسن غير منسوب فإنه
ينصرف إلى البصري ولا ينصرف إلى الحسن بن على، فإذا قالوا قال الحسن، انصرف ذهن المحدث بل ذهن الفقيه إلى أن تلك من قول الحسن البصرى وليس من قوله الحسن بن علي، والذى دفعهم إلى ذلك أمر آخر، وهو أنهم أرادوا أن يتبركوا بذكر الإمامين، فيكون الحسن بن على إن أرادوا أن يتكلموا عن الحسن بن علي، كما أن مرويات الحسن بن علي بسيطة وقليلة، ولذلك ميز لأنه أقل.
أما مرويات الحسن البصري فكثيرة، وفقه الحسن البصرى كبير، حتى إنه
عندما جمع وصل إلى ثمانية مجلدات.
فإذا أطلقت كلمة الحسن عند علماء الحديث أو عند علماء الفقه انصرف
ذلك إلى الحسن البصري فهل هذا اصطلاحاً يجد المتأمل أنه ليس اصطلاحا، لأنه لم تتفق طائفة من الناس لوضع هذه الكلمة بإزاء هذا المعنى بهذه الكيفية.
ولكننى أرى أن كثرة الاستعمال دون نكير من أحد فى قوة المصطلح،
وحتى وإن لم يمن مصطلحا بالمعنى الفنى الدقيق إلا أنه فى قوة المصطلح.
ويظهر لنا الاصطلاح فى مقابلة الأشخاص إذا نظرنا فى أصول الفقه،
ْفمثلا هم يطلقون كلمة الإمام، ويعنون بها الإمام الرازي، حتى إذا ما قيل فى أى كتاب من كتب أصول الفقه قال الإمام: فهو فخر الدين الرازي المتوفني سنة ٦٠٦ هـ.
ولم يخرج عن هذا سوى مختصر ابن الحاحب وهو كتاب أصولى.
انفرد ابن الحاجب فيه باصطلاح خاص من بين الأصوليين وأرجع الناس ذلك
إلى كثرة تفننه فى العلوم، فكان إذا أطلق كلمة الإمام فإنه يعنى بها الإمام الجويني.