للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فالإنسان له إرادة يستطيع أن يسير فى طريق الخير أو الشر إن شاء يسعد أو

يشقى.

٧ - وطبقاً لهذه الصورة للإنسان فى هذا الكون، ولأهدافه المطلوب

تحقيقها (العبادة والعمران) ، فإن تعليم الإنسان ونقل المعرفة منه وإليه - وكما هو مفهوم من مصادر الشريعة وما عليه المحققون من علماء المسلمين - يجب أن يكون فى إطار معرنى محدد، مصادره الوحي والوجود.

٨ - أما الوحى، فهو خطاب اللهِ تعالى للبشر، وهذا الخطاب مدلول عليه

بالقرآن الكريم، وهو كتاب الله المنقول إلينا بالتواتر بين دفتى المصحف المتعبد بتلاوته، وبسنة رسوله وهى ما صح عنه عن طريق الرواية بصحة الأسانيد، وثقة الرواة الناقلين، وبصحة معناه بحيث لا يتعارض مع غيره من أصول الشرع المنقولة المستقرة.

٩ - أما الوجود، ففرق العلماء والمفكرون بين الواقع وبين نفس الأمر. فالواقع هو ما يدرك بالحواس البشرية، والملاحظ أنه ثابت عبر الأزمان، فما زال الماء سائلا لطفاً يسبب الري وتقبله الفطرة للطهارة والاستعمال، وما زالت الشمس ترى وهى تسير فى السماء من المشرِق إلى المغرب، هكذا. ومن الملاحظ أن الوحى وهو يخاطب الجميع يخاطبهم طبقا للواقع أى ما تدركه الحواس البشرية

من غير واسطة بل ويبنى أحكامه على ذلك ولا يعارض ولا ينهى عن معرفة نفس الأمر.

أما نفس الأمر، فهو مختلف وغير ثابت، فالمقصود بنفس الأمر ما وراء

الحواس البشرية، أى الحياة المجهرية سواء الميكرسكوبية أو التليسكوبية، فإن نقطة الماء تحت الميكرسكوب ستظهر بما فيها من آلاف أو ملايين البكتريا: لما تعافه النفس البشرية أن تقدم على شربه لو اطلع عليه عموم الناس، والقمر الذى تغنى بجماله وبهائه الشعراء سطح مخربش قبيح تحت نظر التليسكوب، وهذه الصورة للماء والقمر ليست نهاية المطاف بل إن الماء مكون من أيدروحين يشتعل وأكسوجين يساعد على الاشتعال وحقيقة الحسبة ليست كذلك، وليس هذا نهاية المطاف فإن ذرة الأيدروجِن فيها نواة واليكترون يسير حولها والنواة لها مكونات، وهكذا فإن الحقيقة التى عند الله فى وجوده يكتشف الإنسان كل يوم منها بقدر لا يحيط بها، فإن قلنا إن نفس الأمر هو ما عند الله فإن الطريق ما بين الواقع المشاهد المحسوس بالحواس البشرية وبين نفس الأمر سيمر الإنسان فيه من مرحلة إلى مرحلة، ومن إطلاع إلى إطلاع (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٧٦) .

<<  <   >  >>