للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

١٠ - ومن هنا كان لابد للقيم الأخلاقية والاجتماعية أن تكون أقرب إلى

الواقع المعاش الذى يتعامل منه الإنسان لا مع ما أدركه من نفس الأمر، وكان لابد أن تكون معرفة الإنسان مقيدة بالوحى والوجود معاً، فالوحى يرشد إلى خير نظام لأنه صادر من عليم بنفس الأمر دون أن يجعل نفس الأمر موضوعاً ينتظره المفكرون، ولقد أخطأت الفلسقة الغربية حينما انهارت أمام نفس الأمر وتشككت فى قدراتها فى القرن التاسع عشر حتى لم يبق للحاقائق معنى ولا ثبات، فالحق أو الواقع حقيقة ثابتة وأن الطريق إلى معرفة نفس الأمر هو المتغير.

١١ - ولقد أخطأت فرق من المسلمين حينما - تمسكوا بظاهر الوحى وأنكروا جهة الوجود وأنكروا نفس الأمر لمخالفته لظاهر الوحى بزعمهم كمن أنكروا دوران الأرض لنصوص تصرح بجريان الشمس (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا) .

كما أخطاً من المسلمين من أنكر الوحى أو تأويله أو شك فيه أو كفر به

فارتد، حينما أيد الوجود والسعي فى طريق نفس الأمر عند التعارض الظاهري، حيث لم يلتفت إلى الفرق بين الأمرين.

١٢ - واللغة الموررثة إنما وضعت لبيان الواقع لا لبيان نفسى الأمر، بل إن

نفس الأمر قد لا تحتمله ألفاظ اللغة فيلجأ إلى الرمز، أو إلى ألفاظ مولدة هى

عبارة عن اختصارات لكلمات كثيرة.

١٣ - والوضع: الوضع هو جعل اللفظ بإزاء المعنى، والواضع والجاعل

لذلك قد تكون اللغة أو الشرع أو أهل العرف العام أو أهل العرف الخاص.

١٤ - واختلف المفكرون المسلمون فى نشأة اللغة وأصلها، فذهب فريق

إلى أنه وضع إلهى وأن الله علم آدم الأسماء كلها، وفريق آخر إلى أنهم البشر

وثالث إلى أن أصول الكلمات من الله والتفريع والاشتقاق قام به البشر بعد معرفة القانون الكلى، كأن ما على وزن فاعل فى اللغة العربية يفيد من قام بالفعل، كالضارب والشارب. وتوقف فريق رابع لأن هذا المبحث لم يقم عليه دليل لا من الوحى ولا من التاريخ عندهم والأكثر على الرأي الأول ودليله (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا) وأن هناك ألفاظا مثل لفظ الجلالة (الله) لا يمكن للبشر وضعه بإزاء مكناه حيث أنه خارج في الحس، ويمكن وضع إله لما فطروا عليه من وجود إله للعالم، ولكن كلمة (الله) غير كلمة (إله) فهى علم على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد ولم يتسم به غيره مما يدل على أن ذلك الوضع من خارج البشر، إلى آخر أدلتهم.

١٥ - والشرع يأتى وينقل من معناه اللغوي إلى معنى آخر يريده فيصبح

<<  <   >  >>