[ذِكْرُ خَبَرِ الْمُثَنَّى بْنِ حَارِثَةَ وَأَبِي عُبَيْدِ بْنِ مَسْعُودٍ]
قَدْ ذَكَرْنَا قُدُومَ الْمُثَنَّى بْنِ حَارِثَةَ الشَّيْبَانِيِّ مِنَ الْعِرَاقِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَوَصِيَّةَ أَبِي بَكْرٍ عُمَرَ بِالْمُبَادَرَةِ إِلَى إِرْسَالِ الْجُيُوشِ مَعَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ عُمَرُ مِنَ اللَّيْلَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ أَوَّلُ مَا عَمِلَ أَنْ نَدَبَ النَّاسَ مَعَ الْمُثَنَّى بْنِ حَارِثَةَ الشَّيْبَانِيِّ إِلَى أَهْلِ فَارِسَ، ثُمَّ بَايَعَ النَّاسَ، ثُمَّ نَدَبَ النَّاسَ وَهُوَ يُبَايِعُهُمْ، ثَلَاثًا، وَلَا يَنْتَدِبُ أَحَدٌ إِلَى فَارِسَ، وَكَانُوا أَثْقَلَ الْوُجُوهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَكْرَهَهُمْ إِلَيْهِمْ لِشِدَّةِ سُلْطَانِهِمْ وَشَوْكَتِهِمْ وَقَهْرِهِمُ الْأُمَمَ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ نَدَبَ النَّاسَ إِلَى الْعِرَاقِ، فَكَانَ أَوَّلَ مُنْتَدِبٍ أَبُو عُبَيْدِ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وَهُوَ وَالِدُ الْمُخْتَارِ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَسَلِيطُ بْنُ قَيْسٍ، وَهُوَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا، وَتَتَابَعَ النَّاسُ.
وَتَكَلَّمَ الْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، لَا يَعْظُمَنَّ عَلَيْكُمْ هَذَا الْوَجْهُ، فَإِنَّا قَدْ فَتَحْنَا رِيفَ فَارِسَ، وَغَلَبْنَاهُمْ عَلَى خَيْرِ شِقَيِّ السَّوَادِ، وَنِلْنَا مِنْهُمْ، وَاجْتَرَأْنَا عَلَيْهِمْ، وَلَنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَا بَعْدَهَا. فَاجْتَمَعَ النَّاسُ، فَقِيلَ لِعُمَرَ: أَمِّرْ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنَ السَّابِقِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَوِ الْأَنْصَارِ. قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ، إِنَّمَا رَفَعَهُمُ اللَّهُ - تَعَالَى - بِسَبْقِهِمْ وَمُسَارَعَتِهِمْ إِلَى الْعَدُوِّ، فَإِذَا فَعَلَ فِعْلَهُمْ قَوْمٌ وَتَثَاقَلُوا كَانَ الَّذِينَ يَنْفِرُونَ خِفَافًا وَثِقَالًا وَيَسْبِقُونَ إِلَى الرَّفْعِ أَوْلَى بِالرِّئَاسَةِ مِنْهُمْ، وَاللَّهِ لَا أُؤَمِّرُ عَلَيْهِمْ إِلَّا أَوَّلَهُمُ انْتِدَابًا، ثُمَّ دَعَا أَبَا عُبَيْدٍ، وَسَعْدًا وَسَلِيطًا، وَقَالَ لَهُمَا: لَوْ سَبَقْتُمَاهُ لَوَلَيَّتُكُمَا، وَلَأَدْرَكْتُمَا بِهَا إِلَى مَا لَكُمَا مِنَ السَّابِقَةِ. فَأَمَّرَ أَبَا عُبَيْدٍ وَقَالَ لَهُ: اسْمَعْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَشْرِكْهُمْ فِي الْأَمْرِ، وَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أُؤَمِّرَ سَلِيطًا إِلَّا سُرْعَتُهُ إِلَى الْحَرْبِ، وَفِي التَّسَرُّعِ إِلَى الْحَرْبِ ضَيَاعُ الْأَعْرَابِ، فَإِنَّهُ لَا يُصْلِحُهَا إِلَّا الرَّجُلُ الْمَكِيثُ. وَأَوْصَاهُ بِجُنْدِهِ. فَكَانَ بَعْثُ أَبِي عُبَيْدٍ أَوَّلَ جَيْشٍ سَيَّرَهُ عُمَرُ، ثُمَّ بَعْدَهُ سَيَّرَ يَعْلَى بْنَ مُنْيَةَ إِلَى الْيَمَنِ، وَأَمَرَهُ بِإِجْلَاءِ أَهْلِ نَجْرَانَ بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْ لَا يَجْتَمِعَ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute