للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما رفع عيسى - عليه السلام -؛ رفعه الله إليه، وعم الأرض الجهل والضلال والبعد عن الهدى، وانطفأت شمس الرسالات، وأصبح الخلق في اضطراب وغاية من البعد عن الهدى: «نظر الله إلى أهل الأرض: عربهم وعجمهم، فمقتهم إلا بقايا من أهل الكتاب (١) » الحديث أخرجه الإمام مسلم بلفظ: «إن الله نظر إلى أهل الأرض (٢) » . .) الحديث؛ لأن الأرض أظلمت بالشرك، وأظلمت بالفساد العظيم والضلال، حيث إن البلاد والعباد لا صلاح لهم، ولا استقامة لهم إلا بهذا الدين الذي يحكم تصرفاتهم.

فإذا انطفأت شمس الرسالة أصبح الخلق في ضلال وجهل وبعد عن الهدى، فبعث الله عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم على حين فترة من الرسل، واندراس من العلم، وقد عم الأرض الجهل والضلال والبعد عن دين الهدى يقول الله - عز وجل -: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ} (٣) ؛ بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم وفي الأرض: ضلال عظيم وجهل وبعد عن دين الله، وفساد وظلم، وطغيان وضلال، فبعثه الله بالهدى ودين الحق؛ ليصلح به البلاد والعباد، وليقيم به شرعه - جل وعلا -، ولينقذ البشرية من ضلالها وغوايتها وجهالتها.

كانت الأرض تعج بملل شتى، بملل ونحل محرفة أو باطلة من أصلها من يهودية، ونصرانية، ومجوسية، وصابئة، وغير ذلك من أنواع الملل والنحل كان الناس في غاية من الجهل، وغاية من الاضطراب، وكل أهل ملة متى ظفرت بالأخرى قضت عليها، وأنهت وجودها؛ فكان الأمر دولا؛ يدال لهؤلاء تارة ولأولئك تارة أخرى.

فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم جعل بعثته رحمة للعالمين: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (٤) ، حقا إن بعثته صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، ليست رحمة لأتباعه فقط، ولكنها رحمة لأهل الأرض كلهم.


(١) صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (٢٨٦٥) .
(٢) صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (٢٨٦٥) .
(٣) سورة المائدة الآية ١٩
(٤) سورة الأنبياء الآية ١٠٧

<<  <   >  >>