سنة١٩٤٠م، وقيام حكومة فرنسية تساير طواعيةً أو كرهاً الموقف الذي حدده هتلر إزاء اليهود.
فقد أصدرت هذه الحكومة قوانين استثنائية قاسية في تنظيم التعليم في مختلف مراحله بالنسبة للطائفة اليهودية. وهكذا شعرت هذه الطائفة بأن أطفالها قد أصبحوا مهددين بالأمية، غير أنها لم تكتب مقالة واحدة تستنكر هذا الإجراء، ولم يلق واحد منها محاضرة عن هذا الأمر .. وإنما اجتمعت النخبة فيها ودرست المشكلة لكي تحدد موقفها منها، ولقد حددت فعلاً موقفها، بأن يتطوع كل ذي علم بقدر ما عنده من العلم، فيقوم بحصته من التعليم الابتدائي أو الثانوي أو العالي. وهكذا أصبح كل بيت من بيوت المتعلمين مدرسة في ساعات معينة. ولما وضعت الحرب أوزارها وأسفرت عن نتيجتها المعلومة، وارتفعت القوانين الاستثنائية التي صاغتها حكومة المارشال (بيتان) ضد الأطفال اليهود، ارتفعت دون أن تحقق أغراضها في المجتمع اليهودي، لأنه عرف كيف يتحصن ضدها.
هذه هي الصورة الثانية التي تمر بخاطري حينما أضع مشكلة الثقافة نصب عيني. فإن هذه الصورة توضح لي أي فرق بين موقف النخبة العربية الجزائرية، وموقف النخبة اليهودية من قضية واحدة يتمثل فيها خطر الأمية.
ولا نستطيع في حال من الأحوال أن نعزو الاختلاف في الموقفين إلى شروط مادية، فإن القوانين في هذه الحقبة كانت قاسية على كلا الجانبين. كما أننا لا نستطيع أن نرجعه إلى مجرد قضية علم وتعليم، لأنه ليس لنا أن نفترض مثلاً أن الطبيب أو الصيدلي أو المحامي اليهودي، علمه أغزر من علم زميله العربي الجزائري، فبرامج التعليم والكتب التي درسا عليها واحدة، وأحياناً كان أساتذهما موحدين. فالاختلاف في موقفهما الاجتماعي إزاء مشكلة معينة لا يمكن أن يعزى إلى شيء من ذلك في قليل أو كثير.