إننا في الواقع أمام حالتين تتصف إحداهما- طبقا للظروف التي تحيط بها كما ذكرنا- باللافعالية وتتصف الأخرى بالفعالية. وجوابنا على هذا السؤال إذن يمس بالضرورة قضية هأمة في حياة أي مجتمع، أعني بالضبط قضية الفعالية.
فالصورة الأولى التي ذكرتها تدلنا على أن المجتمع الإسلامي يفقد شبكة الاتصالات الثقافية. فالشخصيات التي يمكنها المساهمة ماديا في القيام بمشروع كهذا لا تشعر بأهيته، بل إنها لتقدم قضية شراء سيارة كاديلاك على مشروع ثقافي.
أما الصورة الثانية فإنها تكشف لنا عن ضعف الطبقة المثقفة نفسها في البلاد العربية والإسلامية أو في بعضها على الأقل. وإن هذا ليعني إذا قسنا بالقياس الذي نجده في مواقف طبقة مثقفة أخرى مثل يهود الجزائر، أن التعليم والعلم شيء والثقافة شيء آخر. فنحن نرى أن الطبيب الجزائري يتساوى مع زميله اليهودي أو يفوقه أحياناً فيما يتصل بالجانب المهني. ولكن الطبيب اليهودي يقف أمام مشكلة اجتماعية معينة غير الموقف الذي يقفه منها الأول. وهذا يعني بالتالي أنهما يتساويان في العلم ويختلفان في الثقافة.
وأرجو ألا يتبادر إلى أذهان المستمعين أنني- بعدما تحدثت عن أهمية شبكة الصلات الثقافية في مجتمع معين وعن فعالية الفرد فيه- إنما أضع القضية في سؤالين أو أكثر. فأنا حينما ذكرت هذه الأمثلة ذكرتها شاهداً فقط يوضح الموضوع، فأنا لم أذكرها لأدرس قضايا جزئية.
فالقضية واحدة لأن الكائن الإحتماعي كأي كائن حي يكون تلقائيا وسائله وأفعاله.
فالثقافة إذا ما تكونت في مجتمع نشأت فيه تلقائيا شبكة الصلات الثقافية، وتحددت فيه فعالية الفرد.
وإذن فالسؤال الذي نضعه أمام أعيننا واحد: ماهي الثقافة التي تنشئ