للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أما الخلل في عالم الأفكار فنراه مثلاً في تاريخ الأمة الإسلامية، حيث وجدنا كثيراً من الصعوبات بسبب الخلل في عالم الأفكار، فلو أمكن- وأظن ذلك صعباً- أن نقوم بإحصائية للافكار التي أدت إلى الكوارث الاجتماعية فإن العد لا يحصيها.

وليس التاريخ إلا نسيجاً من عمل الأشخاص وأفكارهم ومن عالم الأشياء. والخلل في عالم الأفكار، إما أنه ينشأ من الخطأ في تحديد المفاهيم أو في عدم ربط الأفكار بالطرق الصحيحة. فإذا ما اختلت المناهج المنطقية لدينا فأصبحنا نقول ٢+ ٢= ٤٥، فإن هذا يعني أن ثمة خللا قد طرأ على عالم أفكارنا، وهذا ما حدث في تاريخنا. فمثلاً نعلم أن البوصلة هي التي أتاحت لكريستوف كولومبس اكتشاف أميركا، مع أنها لم تتح للعرب أن يقوموا بمثل هذا الاكتشاف، على الرغم من أنهم هم الذين اخترعوا ذلك الجهاز، لأن بعض المفسرين في ذلك الحين كانوا يؤمنون بأن الأرض قائمة على رأس ثور؛ فمثل هذه الأفكار تكبل المبادرات والجهود، وهي ليست خاصة بمجتمع، وكم كان بعض الأفكار المميتة مستولياً على كثير من المجتمعات حتى عاقها عن كثير من التقدم. ولنا أن نذكر منها في المستوى العلمي فكرة من الأفكار سادت مرحلة من التطور العلمي تلك هي: أن الطبيعة تأبى الفراغ، فقد كان علماء الفيزياء يقولون بها ويدينون، مع أنها فكرة مزيفة غير صحيحة، لأنها تؤدي إلى القول: إنه كلما وجد فراغ امتصته الطبيعة حتى يمتلئ. وهذا يعني بالتالي لو سرنا على قواعدهم المفاهيمية، أنه يمكننا نحن هنا في الأرض أن نتصل بالمريخ عن طريق الفراغ. ذلك أنه بفرض صحة هذه الفكرة، فإن الفراغ الكوني يمتلئ أولاً على حسابنا نحن إذ يمتص الهواء الذي حول الأرض. وهذا خطأ وقع فيه ضعف تصور الإنسان في مرحلة معينة. ولم ينقذه غير (ماريوت) حينما حقق الفكرة على قاعدة جديدة، فقال: إذا صعد الماء في فراغ قناة مفرغة، فذلك لا يعني أن الطبيعة تأبى الفراغ، وإنما شيء آخر هو التعادل بين ضغط الماء من ناحية وضغط الهواء في العلو المناسب من ناحية أخرى، لأن الضغط على سطح الماء ٧٦ سنتيمتر من الزئبق.

<<  <   >  >>