أو يكون الخلل في عالم الأشياء فتنشأ ثَمَّ صعوبات أخرى. وهذه نراها ببساطة حينها تفقد الأشياء التجانس فيما بينها، فلا تؤدي أغراضها، وربما أحدثت الكوارث. فلو أننا أردنا تنوير مدينة بجهاز مولد للكهرباء تحت ضغط ٢٢٠ فولت، ثم أخذنا مصابيح لهذا الغرض ذات ١٢٠ فولت فربما أحدث هذا التباين كارثة؛ وقس على هذا كثيراً من الامثلة التي نصادفها في حياتنا اليومية.
فالصعوبات إذن في عمومها تنشأ من هذه النواحي الثلاث: من عالم الأشخاص ومن عالم الأفكار ومن عالم الأشياء، فإذا أدركنا هذه الحقيقة علمنا أن الصعوبات التي يشعر بها الرئيس، أو نشعر بها نحن، لابد وأن تكون صادرة من هذه الجهات الثلاث. غير أننا بعد هذا التحديد العام للصعوبات ينبغي لنا أن نحددها تحديداً خاصاً بتكويننا الاجتماعي، وبفطرتنا الاجتماعية.
فلو أننا رجعنا على ضوء هذه الاعتبارات في حديثنا هذا، في المناسبتين اللتين افترضناهما آنفاً، لرأينا أن هذه الصعوبات التي نشعر بها، مردها إلى الفرد الذي له صلة خاصة بعالم الأفكار، وذلك حينما نتحدث إلى المثقفين؛ ومن ناحية أخرى ننسبه إلى الفرد الذي له صلة خاصة بعالم الأشياء، وذلك في حديثنا إلى العمال ورجال المصانع، وهكذا نجد أن صعوبتنا على ضوء التجربة التي نباشرها في مجتمعنا تنتج من عالم الأشخاص. ولكن على أنواع مختلفة: فمنهم الفرد الذي يتصل بعالم الأفكار، والآخر الذي يتصل بعالم الأشياء سواء كان صانعها أو مستهلكها. فإذا ما تساءلنا عما نستنتجه من هذا كله بوصفه نتيجة مؤقتة، فإننا لا نخطئ التقدير إذا قلنا في فقرة أولى: إن القضية منوطة أولاً بالثقافة التي تكون عالم الأفكار وتحدد علاقتنا به، وبالسياسة التي تكون عالم الأشياء وتحدد علاقتنا به.
غير أننا حينما نقف عند هذه النتيجة المستعجلة، فسوف نجد أنفسنا أمام مناقضة صورية. ذلك أننا نحمل جميعا في أذهاننا صورة تربط الثقافة بأهداف