للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

السياسة ارتباطاً تحدد معه الثقافة أهداف السياسة، وترتبط السياسة بالثقافة لأنها هي التي تمد الثقافة بالوسائل؛ فنتساءل: ترى أين الثور وأين المحراث؟

هل الثقافة هي المحراث أو الثور! .. وهنا نقف أمام هذا اللغز في حيرة ولكنها صعوبة شكلية فقط.

إنه ينبغي لنا أولاً أن نحدد كلا من المفهومين (الثقافة والسياسة) تحديداً علمياً مستقلاً في ذاته وليس بنسبة أحدهما للآخر. وأن يكون هذا التحديد، فوق ما نريد له من الضبط العلمي والتدقيق، تحديداً تطبيقياً Pédagogique حتى يصبح صورة ذهنية واضحة في أفهامنا، وتستطيع أن تدركه أيدينا.

ولابد لي هنا أن أدعو شبابنا المثقف لأن تكون كل محاولة في أذهانهم تهدف إلى تطبيق عملي.

الأمر إذن هو أن نحدد الثقافة تحديداً كالذي أشرت إليه، وعلى هذا فلا بد

لنا من أن نعرف الثقافة على أنها توجيه الطاقات الفردية، لتحقيق بناء الفرد في الداخل بالنسبة إلى مصلحته، ولتحقيق مكانه في المجتمع بانسجام تلك المصلحة مع مصلحة المجتمع. والتحديد هذا فيه ما يدخل في نطاق الأخلاق، وفيه ما يخرج من هذا النطاق ليدخل في نطاق العلم. والذي يدخل من تحديدنا في هذا النطاق الاخير قولنا: إن الثقافة هي توجيه الطاقات الفردية، وليست الثقافة في غنى عن هذا الشطر من التحديد مطلقاً.

أما السياسة، فإننا نحددها على أنها توجيه الطاقات الاجتماعية، لتحقيق

بناء المجتمع في الداخل وتحقيق مكانه في الخارج. على أننا حينما نحلل الطاقات الاجتماعية عأمة، نرى أنها تتضمن أولاً وقبل كل شيء الفرد أداةً وهدفاً، فالطاقات الاجتماعية تنبع من الفرد وتعود إليه. فالفرد الصالح حينما يشارك في بناء المجتمع، فإن عمله هنا يعود إليه في صورة ضمانات اجتماعية تكفل له توجيه طاقاته الفردية. إذن هناك تضامن بين الثقافة والسياسة وليس ترتيب وأسبقية.

<<  <   >  >>