للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فالبناء هنا كالبناء الطبيعي للكائن الحي. فالطبيعة لا تبني في الإنسان إصبعه أولاً ثم شعره ثانياً.

فالقضية إذن في صورتها النهائية ليست في ترتيب القيم الاجتماعية، ولكن

في بنائها متضامنة متكاملة كبناء الكائن الحي، الذي ينمو في جميع جوانبه في وقت واحد، حتى لا يكون له مثلاً رأس رجل وأعضاء جني.

والتوفيق هذا بين الثقافة والسياسة يتحقق عن طريق الفرد، لأنه هو العنصر الواعي الموجه للطاقات الاجتماعية.

وبهذا فإننا نرى أن مصدر الصعوبات كلها في تكوين الفرد أعني في عالم الأشخاص. فإذا ما أردنا دراسة هذا العالم لنستقصي أهم الصعوبات في مجتمع ما، فإن علينا أن نسلك مسلك المحلل الكيمائي الذي يأخذ عينة من المادة التي ينبغي دراستها، لأن ثمة استحالة في تحليل المادة كلها. وهكذا فإننا حينما نتحدث عن عالم الأشخاص في مجتمع ما، فإننا نتحدث عن فرد منه. فإذا ما أدركنا حقيقة هذا الفرد ومشاكله والصعوبات التي تنتج منه، أدركنا المشاكل التي تنتج من عالم الأشخاص، والصعوبات التي تقوم فيه.

ونحن في بناء الفرد ينبغي أن نلاحظ أمراً لعله من تحصيل الحاصل، فإن الإنسان لا يتغير بوصفه كائناً حياً في حدود التاريخ؛ وإنما يتغير بوصفه كائناً اجتماعياً تغيره الظروف، فإن التاريخ يعجز عن أن يغير شعرة واحدة في الإنسان، ولكنه يستطيع أن يزيد أو ينقص من ميزاته الاجتماعية. وفعاليته من ناحية المنطق العملي. وفي رأيى أنه ينبغي للقرن العشرين أن ينظر إلى الأشياء هذه النظرة، ينبغي أن ينظر إلى المشاكل الاجتماعية من زاوية (الفعالية)؛ وليس معنى هذا أننا نغفل في الإنسان جوانبه الأخرى، بدعوى أنه قبل كل شيء آلة إنتاج وجهاز إنتاج. فإن معنى كلمة فعالية تجنح إلى التضييق

<<  <   >  >>