للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

من معنى إنسانية الإنسان إلى حدٍ ما. وكثيراً ما نرى في منطق الغربيين حينما يتوجهون إلى خصومهم بالنقد مثل هذه الملاحظات، إذ نجدهم يقولون لهم إنكم تريدون أن تجعلوا من الفرد آلة إنتاج.

إننا لا نعني بالطبع هذا المعنى ما دام لنا نحن العرب والمسلمين من أرصدتنا الروحية، ما يحول دون نزوعنا إلى هذه المبالغة. خاصةً أننا نجد القرآن الكريم يعلي من شأن الإنسان حينما يقول: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: ٧٠/ ١٧] فالإنسان فوق كل هذا في تحديد مهمته في المجتمع، لأنه أولاً وقبل كل شيء الكائن المكرم من الله.

إذن فنحن إذا ما توجهنا للفرد كي نعالجه على أنه هو مصدر الصعوبات ومصدر المشكلات، التي تنشأ في المجتمع ويعود تأثيرها عليه وعلى أسرته وأولاده، فإنه ينبغي لنا أن نلاحظ أن قيمته تتضمن معادلتين: معادلته بصفته إنساناً، أي معادلته كائناً طبيعياً خلقه الله ووضع فيه تكريمه، وهذه المعادلة لا تمسها يد التاريخ بتغيير، ومعادلته كائناً اجتماعياً، وهي هي التي تكون ميزة الفعالية فيه وتعلي من قيمته الاجتماعية في ظروف معينة. وهذه المعادلة الاخيرة تعترضها طوارئ التاريخ ونوائب الزمن: فلو أنه أتيح للفرد أن يعيش حياة سيدنا نوح أي ألف سنة إلا خمسين عاماً، لشاهد الاطوار التي تمر على معادلة الفرد بوصفه كائناً اجتماعياً كلها ولرآها تتغير تبعاً لمراحل مختلفة.

فما هي هذه المراحل التي تغير من قيمة الإنسان الاجتماعي، فترفعه أحياناً إلى

أعلى أو تلقي به في الحضيض أحياناً أخرى؟

لابد لي قبل الجواب على هذا السؤال أن أقص عليكم حادثة شاهدتها منذ زمن بعيد. ولعلها كانت سبباً في اتجاهي الفكري. فقد كان لي صديق جزائري أعرف فيه الصدق والإستقأمة والأخلاق النبيلة، وأعرف فيه العلم الواسع فقد كان من علماء الجزائر التقليديين، وكان إلى جانب هذا رقيق الحال لا يكاد كسبه يفي

<<  <   >  >>