كانت حاملا وقال لها: حتى تضعي حملك، ولما وضعت حملها عادت إليه مطالبة بإقأمة الحد لاتصال اليقظة في الضمير والتوتر في القلب بعمق أصيل، حتى أقيم عليها الحد وخلدت هكذا ذكرى امرأة أعطت في مجتمع ناشئ صورة توتر الضمير. والمجتمع العربي نفسه لم يكن يفهم معنى هذا التوتر بكل وضوح، ويبدو هذا
فيما أبداه الأفراد إزاء صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - على جثمان تلك المرأة بعد حدّها، حتى أجابهم الرسول بما معناه «لقد تابت توبة لو وزعت على أهل المدينة لوسعتهم».
لقد كان هذا التوتر مظهراً من مظاهر الحياة الناشئة مع الإسلام، نشاهد
أثره في سلوك الحاكم، حين مطالبته الشعب بأن يقوِّم اعوجاجه ويعدل انحرافه، وفي ذلك اعتراف ضمني بإمكان صدور الاعوجاج عنه، كما نشاهده في سلوك الرعية في شخص ذلك الاعرابي البسيط، الذي يرد على هذا الحاكم بقوله:((لو شاهدنا فيك اعوجاجاً لقومناك بسيوفنا)).
وهناك توتر في الناحية الإقتصادية يتمثل فيما قدم أبو بكر وعثمان من أموال طائلة في سبيل الدعوة، وفي موقف عمر رضي الله عنه حينما أمر برد ما اقتصدته زوجته إلى بيت المال، ويبدو أيضاً في حرمان الذات وقطع الشهوات، في موقف هذين الرجلين اللذين اعتزم أحدهما أن يصوم الدهر وقرر الآخر أن يقوم الليل، فشكتهما زوجتاهما للرسول - صلى الله عليه وسلم - فنهاهما عن ذلك. كما يبدو في الجهد والعمل في موقف (عمار بن ياسر) الصحابي الجليل، في حمله حملين بدل حمل واحد، كما كان يحمل كل صحابي في مشروع بناء المسجد، الذي هو نموذج لبناء مجتمع جديد ورمز لكيان اجتماعي حديث؛ وفي الناحية العلمية أيضاً نرى توتراً آخر، فالمذاهب الاربعة التشريعية التي لا تخفى قيمتها الاجتماعية تعبر عن إنتاج العقل الإنساني في قمته في عصر التابعين، أو في العصر الذي تسود فيه الحاجة إلى تنظيم المجتمع الذي نشأ مع الدعوة والجهاد أيضاً، فكان صورة من صور بناء المجتمع الناشئ، وهو في حالة توتر ونشاط اجتماعي للدفاع عن النفس وعن هذا البناء