للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الداخلي، الذي أخذت معالمه ترسو قواعدها، فالخنساء التي ظلت في الجاهلية تسكب عبراتها على أخيها (صخر) سنين، أصبحت في صورة جديدة فريدة تحمد الله على أن شرفها باستشهاد أبنائها الاربعة في سبيل الدعوة، وهذا يعني انتقال مجتمع كامل من حالة (فتور إلى توتر وحركة)، وهذه الحركة حركة رقي في جميع النواحي: فظاهرة البطولة كانت في الجاهلية تهدف إلى الغزو والفخر، أي تدور على محور الـ (أنا)، فبدت في صورة جديدة هي الاستشهاد في سبيل مثل عليا، لأن الإسلام رفع المصلحة أو مسوّغات النشاط إلى أعلى مستوى، فجعلها في عالم الآخرين. فالبطولة في الجاهلية كانت تهدف إلى إعلاء شأن الـ (أنا)، لكن الإسلام حول محور البطولة لتجد مسوّغاتها في عالم الآخرين، أي أصبحت تعبر عن اهتمام اسمي، يرتبط بغريزة الـ (نحن) أكثر منه بالـ (أنا)، حتى إنهم {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: ٩/ ٥٩] فهذا تعبير كامل لمسوّغات البطولة.

فإذا اتفقنا على أن المسوغات هي التي تحرك الطاقات الاجتماعية وتوجهها

إلى مستوى أعلى من مستوى الحيوان، الذي يحيا حياة فردية، وهي التي تدفعها إلى مستوى مصلحة الآخرين، فإن فكرة الفاعلية أو التوتر تمس الواقع الاجتماعي في كل الظروف، مَسًّا يضعها معه كل مجتمع أو لا يضعها وراء أعماله وسلوكه.

فالتوتر حالة نفسية اجتماعية دلّ التاريخ على أنها تنشأ في ظروف معينة ثم تزول في ظروف أخرى، وأن المسوّغات هي التي تكوّن الدوافع الإنسانية التي تدفع النشاط إلى أعلى قمة.

إنما لهذا الواقع الاجتماعي صورته السلبية أيضاً، إذ يحدث أن مجتمعاً ما يفقد مسوّغاته، فاذا يحدث له في مثل هذه الحالة؟

يجب أن نتصور هذا السؤال بالنسبة إلى الفرد وإلى المجتمع، فالفرد في ظروف

نفسية أو إقتصادية معينة، يشعر أحياناً أنه فقد مسوّغات وجوده، وقد تبدو

<<  <   >  >>