بعنوان (حضارتهم وخلاصنا)، وهذا يعني أن الحضارة الغربية بعد أن فقدت الإجماع في الداخل خلال الحرب العالمية الأولى قد فقدت الإعجاب في الخارج بعد الحرب العالمية الثانية، التي قضت نهائيا على المسوّغات التقليدية التي صاغت التاريخ الاوربي في القرن الماضي، والآن فأوربا تعاني بدورها أزمة فتور لأن مسوّغاتها التقليدية أصبحت كلمات جوفاء وعملة مزيفة، وأصبح الاوربي يشعر شعوراً خفياً واضحاً أنه يتعامل بعملة مفلسة فقدت قيمتها.
ولكن يجب أن نترجم هذه الصورة الرمزية المعبرة عن فقدان المسوّغات في المجتمع الغربي في واقع هذا المجتمع، وفي صميم نشاطه كي ندرك المعوقات التي يشعر بها الشاب الاوربي اليوم، وشعور الحرمان الذي بدأ يتفشى فيه، فهو يواجه أزمة الحيرة التي تنذر بتغير جذري، فهو في ساعة الخطر التي مر بها المجتمع الإسلامي، عندما كان الغزالي يبحث له عن مسوّغات جديدة، يجدد بها نشاطه الحضاري، وقد علمنا أن كتاب (الإحياء) لم يف بتلك الغاية، لأن المجتمع الإسلامي استمر في طريقه نحو الفتور، نحو الإفلاس سواء في الصورة الصوفية أو في الصورة الفوضوية.
فالمجتمع الغربي يمر اليوم بهذه الساعة، وقد نجد أثر هذه الازمة حتى في الادب الغربي المنتشر اليوم أي الادب الوجودي، فهو في الواقع، وربما لا يشعر من يمثله، أنه في الواقع محاولة تدارك لفقدان المسوّغات، أو على الاقل تعبير عن هذا الفقدان.
وهذه النزعة نجدها في كتب (ج ب سارتر) أكثر من غيره من الادباء، الذين يمثلون الوجودية اليوم، فسارتر يعبر بألسنة أبطاله وبصفة ملحة، عن هذه الحيرة، كما يبدو هذا في كتاب (الغثيان) حيث يقول أحد أبطاله: ((تأخذني الرغبة في السفر إلى مكان أجد فيه مكاني ... ولكنني لم أجد مكاناً في العالم)).