وأسباب الإخفاق هذا يعود لامرين: فقد يقدر الاختصاصي المشروع بصورة تتجاوز إمكانيات البلد المادية، وقد تكون شروط التنفيذ التي وضعها ذلك الاختصاصي، أي الاسس التي بنى عليها تتناقض مع بعض عوامل التخلف النفسية (١). وبعبارة أخرى فإن الاختصاصي يضع المشروع بعيداً عن عدة البلد أو فوق استعداداتها أو فوق الأمرين معاً.
والخطأ من جانب الاختصاصي الاجنبي الذي يخطط المشروع، يعود إلى أنه
يدلي بآراء تكون صحيحة في نطاق تجربته الشخصية كما حددتها ظروف بلاده، غير أنها تصبح نسبية أو دون جدوى في بلد تمر تجاربه في ظروف أخرى.
أما الخطأ من جانب البلد الإسلامي الذي يلجأ إلى مثل هذا الاختصاصي الاجنبي، كما لجأت جمهورية إندونيسيا إلى الدكتور (شاخت) في السنوات الأولى بعد التحرير، فلأنه ككل مجتمع ناشئ يمر بمرحلة طفولة تفرض عليه سيطرة الأشياء أو عقلية الشيئية، لأن الاطفال يمرون بثلاث مراحل في طفولتهم، فهم يرتبطون أولاً بعالم الأشياء، قبل أن يدخلوا عالم الأشخاص وقبل أن يصلوا إلى عالم الأفكار الذي يمثل بالنسبة إليهم سن الرشد، فالمجتمع الإسلامي عأمة في سن الأشياء، تسيطر عليه العقلية الشيئية، حتى إن الأفكار التي يدلي إليه بها الاختصاصي الاجنبي، تفقد قيمتها بصفتها أفكاراً ترتبط بأصولها في نطاق نظرية تتيح تطويرها في سياق ظروف جديدة، بل تصبح أشياء تفقد المرونة مع الظروف، أو إذا شئت قلت إنها تصبح أفكاراً متحجرة فقدت إشعاعها، وبفقدها لإشعاعها تفقد إمكان مسايرة الحياة في حدود المبادئ وفي نطاق الاصول التي تمت إليها.
فالبلد الإسلامي الذي يطلب ويقبل نصيحة من عالم إقتصاد أجني، يحجر
(١) إنني تناولت بالبحث هذا الجانب في كتاب الفكرة الإفريقية الآسيوية، فصل (مبادى إقتصاد إفريقي آسيوي فعال).