وهذا الاختلاف يعود إلى أن المستوى الثقافي أو الحضاري الذي كان عليه الإنسان الروسي، لم يكن يدعو إلى تغيير كبير في نفسه، وإنما في محيطه الاجتماعي، بينما كان مستوى الإنسان الروسي قبل الثورة يدعو إلى تغيير عميق في معادلته الشخصية قبل كل تغيير خارجي.
وهذه الملاحظة لها قيمتها بالنسبة إلى تشخيص المشكلات وكيفية مواجهتها، فالطفل لا يشعر بها، وإن واجهها فإنه يواجهها بمنطق الأشياء لا بمنطق الأفكار.
فعمر الإنسان الروسي كان عمر الطفل من الناحية النفسية، فكان على الثورة أن تغير منطقه الاجتماعي، بتغيير معادلته الشخصية.
فالمشكلة التي تواجه الإنسان المسلم هي هذه نفسها، فهي مشكلة الإنسان الذي يعيش في عهد ما قبل الحضارة، أي الإنسان الذي يحب وضعه أمام ضرورات نفسية قبل كل شيء، تلك الضرورات التي تتطلب تغيير المعادلة الشخصية. المعادلة التي تفرض عليه في حالته الراهنة منطق الأشياء: فالمسلم اليوم يضع مشكلاته في حدود الأشياء، أي الحدود التي لا تتسع لظروف الحياة المتغيرة، بينما الأفكار وحدها تستطيع مسايرة ظروف كالظروف القاسية التي أحاطت ببناء الإقتصاد الألماني بعد الحرب العالمية الثانية.
يجب أن نوضح هذا الضيق في نطاق الأشياء بمثل محسوس، فلو افترضنا أن
فرداً طلب منا العمل، لتصورنا الجواب على سؤال كهذا في صورتين:
١ - يمكن أن نلقي نظرة على قائمة تشغيل في مصنع معين، أو على أرقام ميزانية معينة، أي أن نستجوب (الأشياء) كي نصوغ جوابنا على سؤال الرجل، ويحتمل أن نقول له إنه لا يمكننا تشغيله لأننا وضعنا قضيته في حدود الأشياء - مصنع وميزانية- التي لا تتسع لتشغيله في ظروف معينة.