للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوِزرِ سواء (١)

الحال الثالثة: أن يهم بالسيئة ويسعى في الحصول عليها ولكن يعجز، فهذا يكتب عليه وزر السيئة كاملاً، دليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا اِلتَقَى المُسلِمَانِ بِسيفَيهِمَا فَالقَاتِل وَالمَقتول في النَّار قَالَ: يَا رَسُول الله هَذا القَاتِلُ، فَمَا بَالُ المَقتُول؟ " أي لماذا يكون في النار- قَالَ: "لأَنَّهُ كَانَ حَريصَاً عَلَى قَتلِ صَاحِبِهِ" (٢) فكتب عليه عقوبة القاتل.

ومثاله: لو أن إنساناً تهيأ ليسرق وأتى بالسلم ليتسلق، ولكن عجز، فهذا يكتب عليه وزر السارق، لأنه هم بالسيئة وسعى بأسبابها ولكن عجز.

الحال الرابعة: أن يهم الإنسان بالسيئة ثم يعزف عنها لا لله ولا للعجز، فهذا لا له ولا عليه، وهذا يقع كثيراً، يهم الإنسان بالسيئة ثم تطيب نفسه ويعزف عنها، فهذا لا يثاب لأنه لم يتركها لله، ولا يعاقب لأنه لم يفعل ما يوجب العقوبة.

وعلى هذا فيكون قوله في الحديث: "كَتَبَهَا عِندَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً" أي إذا تركها لله عزّ وجل.

"وَإِن هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ سَيئةً وَاحِدةً"، ولهذا قال الله عزّ وجل: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) (الأنعام: الآية٥٤) وقال الله تعالى في الحديث القدسي: "إِنَّ رَحْمَتِيْ سَبَقَتْ غَضَبِيْ" (٣) وهذا ظاهر من الثواب على الأعمال، والجزاء على الأعمال السيئة.

قال النووي - رحمه الله -:


(١) أخرجه ابن ماجه- كتاب: الزهد، باب: النية، (٤٢٢٨) . والإمام أحمد - في مسند الشاميين حديث أبي كبشة الأنماري، ج٤، ص٢٣٠، (١٨١٨٧)
(٢) أخرجه البخاري - كتاب: الإيمان، باب: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، (٣١) . ومسلم - كتاب: الفتن، باب: إذا تواجه المسلمان بسيفهما، (٢٨٨٨) ، (١٤) .
(٣) سبق تخريجه صفحة (٢٤٤)

<<  <   >  >>