إخضاع كل شيء لمقاييس الكم، ولكن نجاحها يفسر بالتالي الأزمة التي تمرُّ بها اليوم حضارتها، التي فقدت كل مسوغات وجودها لأنها أفقدت الوجود قداسته. كان الوجود مقدساً في كل تفاصيله، في حياة الحشرات كان مقدساً، وحياة الإنسان كان أكثر قداسة، حتى الأشياء التي تلقى في الشوارع، كانت هناك تفاصيل توحي بقداستها، كان المار في الشارع إذا التقى بصره بِفُتَات الخُبز، ينحني ويلتقط هذا الفتات ثم يقبله ويضعه في مكان طاهر، لأنه كان يشعر بقداسة هذه الأشياء. أما الأوربي فلا يهمه هذا ولا يلتفت إليه لأن هذا الفتات من الخبز، لا قيمة له في نظره الكمي، إذ لا ثمن له، لذا يلقى مع الأشياء الأخرى في سلة المهملات. وتركت أوربة في سلة مهملاتها كل قداسة الأشياء، وكل القيم المقدسة، وفي آخر المطاف دار عليها صولجان علمها وطغيانها العقلي، كثعبان التوى على صدرها يضيق عليها الأنفاس، أوربة اليوم لا تتنفس التنفس الطليق، بل تتنفس تحت ضغط عالم الأشياء