كسب الثوري لمعيشته كان رحمه الله يتجر كالامام أبى حنيفة الكوفى رحمهما الله - وكان ما بيديه من رأس المال نحوا من مائتي دينار - فكان يفرقها على قوم من إخوانه في اليمن، يبضعون له به - ويوافي الموسم كل عام، فيلقاهم ويحاسبهم ويأخذ ما ربحوا.
ولم يقبل شئ من الولاة والسلاطين إلا مرة واحدة - ثم ترك ذلك حتى أنه جاء إليه رجل ببدرة أو بدرتين - وكان أبو ذلك الرجل صديقا لسفيان جدا - وكان سفيان يأتيه فيقيل عنده - ويإتيه كثيرا.
فقال:(يا اب عبد الله، في نفسك من أبى شئ) ؟ فأثنى عليه وقال:(رحم الله أباك) ! وذكر من فضله - فقال له:(يا أبا عبد الله، قد عرفت كيف صار إلى هذا المال - وأنا أحب أن تقبل هذا الذى جئتك به، تستعين به على عيالك) - فقبله منه - فخرج الرجل - فلما خرج أو كاد أن يخرج قال لاخيه مبارك:(يا مبارك، الحقة فرده) - قال مبارك فلحقته فرددته فقال:(يا ابن أخى أن تقبل هذا المال - فإنى قد قبلته منك ولكن أحب ان تقبله) - فلم يزل به حتى أخذه - قال مبارك فلما خرج، جئت وقد داخلني ما لا أملك - فقعدت بين يديه فقلت:(ويحك، يا أخى! ايش قلبك هذا؟ حجارة؟ أنت ليس لك عيال - أما ترحمني؟ أما ترحم اخوانك؟ أما ترحم صبياننا؟ فأكثرت عليه من هذا النحو.
فقال: (يا مباك تأكلها انت هنيئا مريئا وأسأل انا عنه. لا يكون هذا ابدا) ولا يبعد إن يكون مبنى هذا الاجتناب أنه كان آية في الورع، والورع لا يجتمع مع أكل ما فيه شيهة.
والاموال التى كانت بيد السلاطين والامراء، كان
المتورعون من العلماء يحسبونها من بيوت أموال المسلمين، التى تصرفوا فيها